للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد اجتمعت الوفاقية، والعنادية في قول الله تعالى: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ} ، على معنى: أو من كان ضالا فهديناه، فقد استعير في الأول: "الميت الضال"، وهما لا يجتمعان، إذ لا يوصف الميت بالضلال فالاستعارة عنادية, واستعير ثانيا "الإحياء للهداية" -كما سبق- "والحياة والهداية" مما يجتمعان، فالاستعارة وفائية, ومن العنادية تتفرع الاستعارتان:

التهكمية والتمليحية:

وهما ما نزل فيهما التضاد، أو التناقض منزلة التناسب، واستعمل اللفظ في ضد معناه، أو في نقيضه، إبرازا للخسيس في صورة الشريف، قصدا إلى الهزء والسخرية، أو التمليح والتظرف -على سبق بيانه في باب التشبيه- وذلك كأن يطلق لفظ "الكريم" على البخيل، وكإطلاق لفظ "أسد" على الجبان في نحو قولك: "زارني اليوم كريم" تريد رجلا بخيلا، ونحو قولك: "رأيت أسدا على فرس" تريد رجلا جبانا, فقد نزل أولا "البخل" منزلة الكرم، ونزل ثانيا "الجبن" منزلة الشجاعة -على ما سبق- في بحث التشبيه، ثم شبه البخيل بالكريم، والجبان بالأسد، ووجه الشبه في الأول: "الجود" وفي الثاني "الشجاعة" وإن كان الجود في البخيل، والشجاعة في الجبان تنزيليين ثم استعير لفظ الكريم للبخيل, واسم الأسد للجبان.

ثم إن كان الغرض الحامل على استعمال اللفظ في ضد معناه: التهكم والهزء بالمقول فيه كانت الاستعارة "تهكمية"، وإن كان القصد الحامل: بسط السامعين، وإزالة السآمة عنهم، بتصوير القبيح في صورة الحسن، كانت الاستعارة "تمليحية"، ولا يخفى عدم تأتي اجتماع "البخل والكرم" أو "الجبن والشجاعة" في شيء واحد، فكلتاهما إذن من قبل الاستعارة العنادية.

ومن هذا القبيل قوله تعالى: {فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} نزل التضاد بين التبشير

<<  <  ج: ص:  >  >>