للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولما قضينا من منى كل حاجة ... ومسح بالأركان من هو ماسح

وشدت على دهم المهارى رحالنا ... ولم ينظر الغادي الذي هو رائح

أخذنا بأطراف الأحاديث بيننا ... وسالت بأعناق المطي الأباطح١

يقول: لما فرغنا من أداء النسك، وقضينا أيام منى، واستلمنا الأركان، وشددنا الرحال، ومضى الناس, لا ينظر الغادي منهم الرائح، شوقا للعودة إلى أوطانهم, ابتدأنا في الحديث آخذين بأطرافه وفنونه، شأن الرفاق في السفر، قد شملتهم الغبطة، لما وفقوا إليه من أداء الفريضة, بينما سارت المطي في الأباطح سيرا حثيثا، في لين وسلاسة، أشبه الأشياء بسيلان الماء.

وهذه الأبيات الثلاثة, مع ما فيها من روعة المطلع، وعذوبة الجرس, لا ترى فيها معنى دقيقا, ولا تصويرا أنيقا، سوى ما تراه في الشطر الثاني من البيت الأخير، حيث شبه سير المطي في الأباطح سيرا حثيثا، في لين وسلاسة: بسيلان الماء فيها، ثم استعير سيلان الماء للسير اللين السلس، واشتق منه: "سالت" بمعنى: سارت حثيثا في لين وسلاسة -والجامع بين الطرفين سرعة السير مع سلاسة فهذه الاستعارة- كما ترى, عامية يدركها الخاصة والعامة. غير أنه تصرف فيها بما جعلها غريبة، لا يدركها إلا الخواص.

ذلك أنه: بعد أن استعير فعل السيلان لسير الإبل الحثيث السلس، حتى أفاد كأن سيولا جرت في تلك الأباطح. أسند بعد ذلك الفعل المستعار، وهو "سالت"


١ الشاهد في البيت الأخير "والأطراف" جمع طرف بكسر الطاء بمعى الكريم، والمراد كرائم الأحاديث أو جمع طرف بالتحريك بمعنى الناحية، والمراد فنون الأحاديث و"الأباطح" وهو مسيل الماء فبه دقائق الحصا.

<<  <  ج: ص:  >  >>