للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلى الأباطح، دون المطي الذي كان حقه أن يسند الفعل إليه، فأفاد هذا الإسناد، أن الأباطح امتلأت بالإبل إلى حد يخيل للناظر. أن الأباطح هي التي تسيل, إذ إن نسبة فعل الحال إلى المحال، تشعر بشيوع الحال في المحل، وكأن كل مكان من هذه الأباطح سائر. ومما زاد الاستعارة دقة وغرابة: أنه أدخل الأعناق في السير، إذ جرها بباء الملابسة، المقتضية لملابسة الفعل لها؛ لأن السرعة والبطء يظهران -غالبا- في أعناق الإبل: وإذن فقد أضاف الشاعر إلى الاستعارة المذكورة مجازا عقليا آخر, فالأول مصرح به وهو إسناد الفعل إلى الأباطح, والثاني مقدر، وهو إسناده إلى الأعناق؛ لأن الواقع: أن الدابة تستعين في سيرها بهز الأعناق، فكأن الأعناق أيضا تسير. ومثل بيت كثير تماما، قول ابن المعتز:

سالت عليه شعاب١ الحي حين دعا ... أنصاره بوجوه كالدنانير

يقول: تسارع إليه أنصاره ملبين بوجوه مشرقة متهللة, حين دعاهم إليه. يريد أنه مطاع في حبه، لا يدعوهم لخطب جلل إلا أتوا إليه مسرعين متزاحمين حتى كأنهم السيل ينحدر من كل جانب، فيطفح به الوادي. وقد تصرف في البيت على غرار ما قبله، مما جعل الاستعارة تمتنع بعد ابتذال، وتعتز بعد ضعة.

تقسيم الاستعارة باعتبار الطرفين والجامع:

تنقسم الاستعارة بهذا الاعتبار ستة أقسام -ذلك: أن المستعار منه، والمستعار له، إما حسيان، أو عقليان. أو المستعار منه حسي. والمستعار له عقلي أو العكس. والجامع في الثلاثة الأخيرة عقلي لا غير, لما سبق في مبحث التشبيه:


١ جمع شعب بكسر الشين، وهو الطريق في الجبل.

<<  <  ج: ص:  >  >>