للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من ذلك قول الشاعر:

بكت لؤلؤًا رطبا ففاضت مدامعي ... عقيقا فصار الكل في نحرها عقدا

فقد استعار اللؤلؤ للدمع، بجامع الصفاء والتألق، والجميع حسي كذلك.

٢- استعارة محسوس لمحسوس والجامع عقلي كما في قوله تعالى: {وَآَيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ} والشاهد في "نسلخ" فالمستعار منه كشط الجلد، وسلخه عن الشاة ونحوها, والمستعار له إزالة ضوء النهار وانتزاعه عن مكان الليل, كلاهما حسي١, والجامع بينهما عقلي وهو ترتب أمر على آخر, ففي المستعار منه ترتب ظهور اللحم على سلخ الجلد، وفي المستعار له ترتب على ظهور ظلمة الليل على محو ضوء النهار٢, ولهذا صح قوله بعد: {فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ} لأن الواقع عقيب إزالة الضوء هو الإظلام.

٣- استعارة محسوس لمحسوس، والجامع مختلف, بعضه حسي، وبعضه عقلي كما في قولك: "رأيت بدرا يتحدث" تريد إنسانا كالبدر في حسن الطلعة، ونباهة الشأن. فالأول حسي، والآخر عقلي.

٤- استعارة معقول لمعقول كما تقول: "أحيتني الموعظة" على معنى: هدتني, فالمستعار منه "الإحياء" والمستعار له الهداية، وكلاهما عقلي, والجامع بينهما: ما يترتب على كل من الفوائد، وهو عقلي كذلك.

٥- استعارة محسوس لمعقول كما في قوله تعالى: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ


١ أي: باعتبار متعلقيهما، "الجلد والضوء" وإلا فإن كلا من كشط الجلد, وإزالة الضوء أمر عقلي لأنهما معنيان مصدريان، والمعنى المصدر لا وجود له خارجا، فلا يكون محسوسا.
٢ بيان ذلك أن الظلمة هي الأصل والنور طارئ عليها يسيرها بضوئه, فإذا غربت الشمس فقد سلخ النهار عن الليل, كما يسلخ الجلد عن الشاة، فظهور الظلمة بعد ذهاب ضوء النهار بمثابة ظهور المسلوخ بعد سلخ إهابه عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>