للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأقرى المسامع أما نطقت ... بيانا يقود الحرون الشموسا١

يصف نفسه بسحر البيان وعذوبة المنطق، فيقول: وأقدم إلى المسامع بيانا يكبح بسحره وعذوبته جماح النفوس الصوادف, والشاهد قوله: "وأقرى المسامع بيانا" فإن في "أقرى" استعارة تبعية، قرينتها تعلق القرى بكل من "المسامع والبيان" ذلك أن "القرى" كما قدمنا -تقديم الطعام إلى الضيف، فلا يصح إيقاعه بهذا المعنى على المسامع والبيان، فعلم من هذا: أن المراد به: معنى يناسبهما، وهو التقديم والإلقاء.

٤- المجرور بأن يكون تعلق الفعل بالمجرور غير مناسب، فيدل ذلك على أن المراد به: معنى يناسب ذلك المجرور- كما في قوله تعالى: {فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيم} فالتبشير إخبار بما يسر, فلا يناسب تعلقه "بالعذاب" فيعلم من هذا أن المراد بالتبشير: معنى يناسب العذاب، وهو الإنذار، أي: الإخبار بما يسيء, وإذن ففي قوله: "بشرهم" استعار تبعية تهكمية، قرينتها مجرور الحرف٢, ومثهل قوله تعالى: {فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ} فإن الهداية هي الدلالة بلطف، وهذا المعنى لا يناسب تعلقه "بالجحيم" فالمراد إذن معنى يناسبه: وهو الجر بعنف لا هوادة فيه، وإذن ففي قوله: "فاهدوهم" استعارة تبعية تهكمية كذلك, قرينتها مجرور الحرف كسابقتها.

وقد تكون القرينة غير ما ذكرنا كما في قوله تعالى: {يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا} على أن يكون "مرقد" اسم مكان، بمعنى القبر، ليكون استعارة تبعية, شبه الموت بالرقود: بجامع فقد الإحساس، ثم استعير لفظ "الرقود" لمعنى "الموت"، ثم اشتق منه "مرقد" اسم مكان، بمعنى مكان الموت أي: القبر، على سبيل الاستعارة


١ "أقرى" مضارع قرى, و"الحرون" من الخيل ما لا ينقاد لصاحبه والشموس مثله يقال: حرن الفرس وشمس إذ منع ظهره.
٢ نزل التضاد بين التبشير والإنذار منزلة التناسب بينهما, على ما سبق في باب التشبيه، ثم شبه الإنذار بالتبشير في أن كلا إخبار بما يسر، ثم استعير التبشير للإنذار، واشتق منه "بشر" بمعنى أنذر على سبيل الاستعارة التبعية التهكمية.

<<  <  ج: ص:  >  >>