للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يؤدون التحية من بعيد ... إلى قمر من الإيوان باد١

استعار القمر للإنسان الجميل، ثم وصف المستعار له بما يلائمه: من كونه مطلا من الإيوان تجريدا للاستعارة, وقرينتها قوله: يؤدون التحية من بعيد "والتجريد وصف نحوي, كما ترى.

ومثال التجريد بالصفة المعنوية قول كثير عزة:

غمر الرداء ذا تبسم ضاحكا ... غلقت لضحكته رقاب المال٢

يقول: إنه كثير العطاء واسع البذل، إذا ابتسم لطالبي معروفه تمكنت رقاب المال من أيديهم، وتعذر انفكاكها، كالرهن الحبيس في يد المرتهن، وقد عجز الراهن عن استرداده, والشاهد فيه: استعارة الرداء للعطاء بعد تشبيه العطاء به في أن كلا وقاية حفظ وصيانة, فالمال يصون العرض، والرداء يصون السوأة، ثم وصف المستعار له الذي هو "العطاء" بما يلائمه "وهو الغمر"٣ تجريدا للاستعارة، وهو -كما ترى- وصف معنوي وقرينتها تتمة الكلام: من تبسم الممدوح، وحبس رقاب أمواله في أيدي العفاة.

ومثال التجريد بالتفريع قولهم: "رأيت غضنفرا في حومة الوغى، فلجأت إلى ظل رمحه" استعير الغضنفر للرجل المقدام بقرينة قوله: "في حومة الوغى" ثم فرع عليه بما يلائم المستعار له: من اللجوء إلى ظل رمحه تجريدا للاستعارة.

..


١ "الإيوان" اسم لبناء ضخم ومنه إيوان كسرى.
٢ "الغمر" في الأصل الماء الكثير, واستعمل هنا بمعنى كثير العطاء مجازا، ومن هنا يعلم أن لا مائع من أن يكون الملائم متجوزا فيه. وفي قوله "تبسم ضاحكا" وصف للممدوح بالبشر والطلاقة وذلك
أمارة الارتياح للبذل، وقوله: "غلقت" من غلق الرهن في يد المرتهن إذا لم يقدر الراهن على فكه لعجزه عن أداء الدين. و"الضحكة" بفتح الضاد وسكون الحاء المرة من الضحك، ويريد برقاق المال: أصوله.
٣ هذا إذا كان من غمر الماء إذا كثر, أما إذا كان من قولهم: ثوب غامر أي: واسع فضفاض فهو ترشيح.

<<  <  ج: ص:  >  >>