للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وسمي هذ القسم: "استعارة مجردة" لتجردها عما يقوي فيها دعوى الاتحاد، ولا شك أن ذكر ما يلائم المستعار له يقربها من المعنى الحقيقي، ويضعف فيها دعوى الاتحاد بين الطرفين. وقد اجتمع الترشيح والتجريد في قول الشاعر:

رمتني بسهم ريشه الكحل لم يضر ... ظواهر جلدي وهو القلب جارح

استعار السهم للنظر بجامع شدة التأثير، وريشه، ترشيح لأنه من ملائمات المستعار منه ومن قولهم: راش السهم إذا ألصق عليه الريش، ليكون أحكم في الرماية "والكحل" تجريد لأنه من ملائمات المستعار له, وبهذا الاعتبار تكون قرينة الاستعارة حالية, فإذا اعتبر "الكحل" قرينة كان "ريشه" ترشيحا، واعتبرت الاستعارة حينئذ مرشحة.

ومما ينبغي أن يعلم: أن اعتبار الترشيح والتجريد، إنما يكون بعد تمام الاستعارة وهي إنما تتم باستيفاء قرينتها, فقولك مثلا: "رأيت سحابا يعطي" استعارة، لا ترشيح فيها ولا تجريد لعدم اقترانها بما يلائم أحد الطرفين, وأما قولك: "يعطي" فهو قرينة الاستعارة، فلا يعتبر تجريدا وإن كان من ملائمات المستعار له، ولو أن القرينة في هذا المثال حالية، لكان قولك: "يعطي" تجريدا للاستعارة لملاءمته للمستعار له.

والمطلقة: ما لم تقترن بشيء من ملائمات أحد الطرفين، كما تقول: "ظمئي إلى لقائك شديد"، استعير الظمأ للشوق، بقرينة قولك: إلى لقائك، فالاستعارة مطلقة لعدم اقترانها بشيء يلائم أحد الطرفين.

وسمي هذا القسم: "استعارة مطلقة" لإطلاقها عن التقييد بما يلائم أحد طرفي الاستعارة, كما رأيت.

قالوا: ومن قبيل المطلقة: ما اجتمع فيه ترشيح وتجريد وتساويا؛ لأنهما باجتماعهما يتعارضان فيتساقطان، وكأن لا ترشيح ولا تجريد، كما في قول الشاعر السابق: "رمتني بسهم ريشه" إلخ، على اعتبار أن القرينة فيه حالية, فإذا زاد أحدهما على الآخر رجح جانبه.

<<  <  ج: ص:  >  >>