للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كما تقول وأنت تنظر إلى الشمس. أرى مرآة في يد شلاء، تريد هذا الجرم الخاص, فقد شبهت هيئة الشمس السابق ذكرها: بهيئة المرآة في كف أشل، بجامع الهيئة الحاصلة في كل، ثم استعير المركب الموضوع للمشبه به للمشبه، على سبيل الاستعارة التمثيلية، والقرينة الحالية.

وكما تخبر عن إنسان يحاول أمرا لا يحصل منه على غاية: "رأيت من يرقم على الماء"، فهذا المركب غير مستعمل في معناه الوضعي، إذ إن المحدث عنه لا يرقم على الماء ولكن حاله وهو يعالج أمرا لا نتيجة له: تشبه حال من يرقم على الماء فصح استعمال هذا المركب في الرجل المذكور لتشابه الحالين.

من ذلك ما كتبه الوليد بن يزيد، حين بويع بالخلافة إلى مروان بن محمد وقد بلغه توقفه عن البيعة له: "أما بعد: فإني أراك تقدم رجلا وتؤخر أخرى١" وحقيقة الكلام: إني أراك متحيرا في أمرك، مترددا فيه, وإجراء الاستعارة فيه أن يقال: شبهت هيئة تردده في قبول البيعة بين الإقدام والإحجام بهيئة رجل قام ليذهب إلى جهة, فتارة يعقد النية على الذهاب فيقدم رجلا، وتارة يعدل، فيؤخرها ثانيا. والجامع: الهيئة الحاصلة بين إقدام تارة، وإحجام أخرى, ثم استعير المركب الموضوع للمشبه به للمشبه استعارة تمثيلية, والقرينة حالية، إذ إن المتردد المذكور لا يقدم رجلا ولا يؤخرها فحاله على غير ما يدل عليه التركيب وضعا.

وكما نقول فيمن يعمل الحيلة، فيرفق بصاحبه، ويلاطفه حتى يميله إلى ما يريد: "ما زال يفتل له في الذروة والغراب، حتى بلغ منه ما أراد", فقد شبه حاله معه: بحال من يأتي للبعير الحرون، فيحكه، ويفتل له الشعر في ذروته وغاربه،


١ قوله: "تقدم رجلا" أي: تارة، ومفعول، ومفعول، "تؤخر" محذوف أي: تلك الرجل المقدمة وقوله: "أخرى صفة لتارة" المحذوفة أي: تارة أخرى, وأصل الكلام إني أراك تقدم رجلا تارة، وتؤخرها تارة أخرى, وتتمة الكلام. فإذا أتاك كتابي هذا فاعتمد على أيهما شئت والسلام.

<<  <  ج: ص:  >  >>