للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومثله قول الحجاج في خطبته المشهورة: إني لأرى رءوسا قد أينعت. وحان قطافها إلخ, ففي "رءوسا" استعارة بالكنابة, شبه فيها الرءوس بالثمرات تشبيها مضمرا في النفس، ثم تنوسي التشبيه -على ما سبق- في البيت قبله، ثم ثبت لازم المشبه به، وهو قوله: "أينعت" للمشبه مبالغة، وقوله: "حان قطافها" ترشيح للاستعارة, وعلى هذا القياس.

وعلى هذا المذهب خرجت الاستعارة عن أن تكون من أفراد المجاز اللغوي؛ لأنه: اللفظ المستعمل في غير ما وضع له، فهو من عوارض الألفاظ, والاستعارة المكنية على هذا المذهب: هي التشبيه المضمر في النفس، وهو فعل من أفعال المتكلم، وإذن فإطلاق الاستعارة عليها -في رأي الخطيب- مجرد تسمية خالية عن المناسبة١, وأما إطلاق لفظ المكنية عليها فواضح، إذ لم يصرح فيها بالتشبيه، وإنما كنى عنه بذكر لازم المشبه به، وإثباته للمشبه.

أما تعريفها -عند الجمهور- فهي لفظ المشبه به، المستعار في النفس للمشبه، والمحذوف المدلول عليه بشيء من لوازمه كما في قول الشاعر السابق، فقد استعير فيه بعد التشبيه لفظ "الإنسان" للعناية. ثم قدر في النفس حذف الشبه به، ودل عليه بذكر بعض خواصه، وهو "العيون" على سبيل الاستعارة بالكناية، ثم أثبت ذلك اللازم للمشبه.

وسميت مكنية -على هذا المذهب- لعدم التصريح فيها بالمشبه به، والكناية عنه بذكر بعض خواصه, أما تسميتها "استعارة", على هذا الرأي فأمرها واضح؛ لأنها عندهم: اللفظ المستعار، فهي من أفراد المجاز اللغوي, بخلافها على رأي الخطيب على ما سبق.


١ التمس بعضهم وجها لهذه التسمية هو: أن هذا التشبيه المضمر أشبه الاستعارة من حيث إن فيه ادعاء دخول المشبه في جنس المشبه به. ذلك أنه لما أثبت اللازم للمشبه دل ذلك على أن مريد التشبيه ادعي دخوله في جنس المشبه به حتى استحق خواصه والادعاء المذكور من شأن الاستعارة.

<<  <  ج: ص:  >  >>