للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قرينة المكنية: هي عند الخطيب والجمهور: إثبات لازم المشبه به للمشبه كإثبات العيون للعناية في قول الشاعر السابق، وكإثبات الأظفار "للمنية" في قولهم: "أنشبت المنية أظفارها بفلان"، وهذا الإثبات يسمى عند الطرفين: استعارة تخييلية. أما أنه استعارة فلأن اللازم المذكور استعير للمشبه، وأثبت له، بمعنى أنه نقل عما يناسبه، واستعمل مع ما شبه بما يناسبه, وأما أنه "تخييلي" فلأن ذلك اللازم، لما نقل وأثبت: خيل للسامع أن المشبه من جنس المشبه به.

ومن هنا يعلم: أن الخطيب يخالف الجمهور في المكنية على ما سبق، ويتفق معهم في قرينتها، إذ هي -عند الطرفين- إثبات لازم المشبه به للمشبه.

ومما ذكرنا يتبين لك أمور ثلاثة:

الأول: أن قرينة المكنية استعارة تخييلية دائما، إذ هي -كما علمت- إثبات لازم المشبه به للمشبه، وهذا الإثبات يسمى عند الفريقين "تخييلا" وقد علمت وجهه.

الثاني: أن المكنية لا تنفك عن التخييلية؛ لأن التخييلية قرينتها، ولا بد للاستعارة من قرينة فهما إذن متلازمتان، لا توجد إحداهما بدون الأخرى.

الثالث: أن طرفي الاستعارة التخييلية مستعملان في معنييهما الحقيقيين "فالعيون والعناية" في البيت السابق، كلاهما مستعمل في المعنى الذي وضع له, والتجوز إنما هو في إثبات العيون للعناية، إذ إن العناية لا عيون لها، فهو إذن إثبات الشيء لغير ما هو له، كما في المجاز العقلي في نحو: أنبت الربيع الزرع، فإن كلا من "الإنبات والربيع" مستعمل في المعنى الذي وضع له، والتجوز إنما هو في إسناد الإنبات إلى الربيع، وإنباته له.

ثم إن اللازم المراد إثباته للمشبه -منه ما يكون به كما وجه المشبه في المشبه به- ومنه ما يكون به قوامه ووجوده فالأول كما في بيت الهذلي:

<<  <  ج: ص:  >  >>