استعير له لفظها حسنت الاستعارة لوفاء التشبيه بالغرض فإذا شبه الوجه الأسود بالفحم لإفادة معنى التزيين، ثم استعير له لفظه لم تحسن الاستعارة لعدم حسن التشبيه، إذ لم يف بالغرض المقصود.
ومن جهات حسن التشبيه: أن يكون وجه الشبه غير مبتذل: بأن يكون غريبا لطيفا, إما لكثرة ما فيه من التفصيل، أو لكونه نادر الحضور في الذهن لعزة وجوده, كما في تشبيه الشمس بمرآة في كف الأشل، أو تشبيه فحم فيه جمر موقد ببحر من المسك موجه الذهب- فإذا استعير لفظ المشبه به للمشبه في المثالين حسنت الاستعارة فيهما، لحسن التشبيه، لما فيه من الدقة بكثرة الاعتبارات في الأول، ولندور حضور صورة المشبه به في الذهن في الثاني, أما استعارة لفظ "الشمس"، للإنسان ذي الوجه المشرق، أو استعارة الورد للخد ذي اللون الأحمر، فليست بذات حسن، لفوات الحسن في التشبيه، بسبب ابتذاله، لوضوح الوجه فيه.
ويستثنى من جهات حسن التشبيه شيء واحد، تحسن فيه الاستعارة، وإن لم يحسن التشبيه, وهو أن يقوى الشبه بين الطرفين جدا، حتى إنه ليخيل لك أنهما متحدان, كالشبه بين العلم والنور, أو بين الشبهة والظلمة, ففي هذين المثالين تحسن الاستعارة فتقول:"في قلبي نور" أي: علم, ولا يحسن التشبيه، فلا تقول:"في قلبي علم كالنور"، وتقول:"في قلبي ظلمة" أي: شبهة, ولا يحسن أن تقول: في قلبي شبهة كالظلمة.
وإنما قبح التشبيه فيما ذكرنا لقوة الشبه بين الطرفين، حتى كأنهما شيء واحد، فإجراء التشبيه بينهما بمثابة تشبيه الشيء بنفسه، وحسنت فيه الاستعارة لاختفاء شبح التشبيه لفظا.
٢- أن يزداد بعدها عن الحقيقة بالترشيح، ولذلك كانت الاستعارة المرشحة أكثر قبولا، وألذ طعما في ذوق البلغاء من أختيها: المجردة، والمطلقة.