للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٣- ألا يشتم فيها رائحة التشبيه لفظا١. بألا يذكر في الكلام لفظ يدل على المشبه كما تقول: "زارنا قمر في منزلنا" فليس في العبارة لفظ صريح يفصح عن المشبه, بخلاف قول الشاعر السابق:

لا تعجبوا من بلى غلالته ... قد زر أزراره على القمر

فإن استعارة "القمر" للإنسان الجميل قليلة الحسن, كما يقولون٢ لما فيها من إشمام رائحة التشبيه، بسبب ذكر لفظ دال على المشبه، وهو الضمير في "غلالته"، أو في "أزراره"، وهذا يتنافى مع ما ترمي إليه الاستعارة من تناسي التشبيه، ودعوى اتحاد الطرفين.

ومما ينبغي أن يعلم هنا: أن المراد بإشمام التشبيه المشروط نفيه في حسن الاستعارة: ما لا يخرج به الكلام عن نطاق الاستعارة، كما في البيت المذكور ونحوه: مما يذكر فيه المشبه على وجه لا ينبئ عن التشبيه, بخلاف ما لو ذكر فيه المشبه على وجه ينبئ عن التشبيه نحو: "خالد أسد" من كل ما لا يصح فيه الحمل إلا على تقدير التشبيه، أو صرح فيه بوجه الشبه، أو الأداة، فإن مثل هذا الإشمام مبطل للاستعارة، فنفيه شرط لصحتها، لا لحسنها.

٤- ألا يكون وجه الشبه خفيا جدا، بحيث لا يدرك بغير تأمل. وإذن فلا يحسن استعارة لفظ "أسد" للرجل الأبخر، وهو ذو الفم المنتن، لخفاء وجه الشبه، إذ إن انتقال الذهن من معنى "الأسد" إلى الرجل: إنما يكون باعتبار المعنى المشهور في الأسد، وهو الجرأة، لا البخر، فاستعار لفظ "الأسد" للأبخر، حينئذ يعد إلغازا وتعمية في المراد, ذلك: أن من شروط حسن الاستعارة- كما عرفت-


١ إنما شرطوا ذلك في اللفظ؛ لأن التشبيه معنى لا بد منه في كل استعارة بواسطة القرينة؛ لأن الاستعارة لفظ أطلق على المشبه بمعونة القرينة، فلا يمكن نفي إشمام التشبيه لفظا ومعنى؛ لأن المعنى على التشبيه قطعا.
٢ في نفسي مما يقولون شيء، فإني لأشعر بروعة هذه الاستعارة تملأ جوانب نفسي كلما قرأت هذا البيت أو سمعته.

<<  <  ج: ص:  >  >>