للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذ يلزم من النوم إلى ضحوة النهار: أن يكون هناك من يتولى شئونها، فهي إذن من ذوات النعمة والترف. وهكذا.

وهذه الكناية ضربان: قريبة، وبعيدة.

فالقريبة: ما ينتقل الذهن فيها من المعنى الأصلي إلى المعنى المقصود بلا واسطة بين المعنى المنتقل عنه، والمنتقل إليه كما في المثال السابق: "فلان طويل النجاد" فإن المطلوب بهذا القول، صفة هي طول القامة -كما بينا- وليس بين طول النجاد، وطول القامة واسطة- وسميت "قريبة" لقصر زمن إدراك المقصود منها، بسبب انتفاء الواسطة.

وهي نوعان: واضحة، وخفية.

فالواضحة: ما يفهم منها المقصود لأول وهلة لوضوح اللزوم بين المعنى المكني به والمكني عنه كما تقدم في نحو: "فلان طويل النجاد" فإن طول القامة يفهم من طول النجاد، بلا حاجة إلى تأمل، لوضوح اللزوم بين المعنيين ومثله قول العرب: "فلانة بعيدة مهوى القرط" فمهوى القرط هو المسافة بين شحمة الأذن إلى الكتف، وطول هذه المسافة يفهم منه: أن العنق طويل، بلا حاجة إلى تأمل. لوضوح اللزوم بين طول المسافة المذكورة، وطول العنق يقول الشاعر:

أكلت دما إن لم أرعك بضرة ... بعيدة مهوى القرط طيبة النشر١

يريد، طويلة الجيد، وهو من محاسن الصفات في المرأة, يدعو على نفسه بالتقاعس والعجز عن الأخذ بالثأر من المعتدين، وبأخذ الدية بدل الدم, إن لم يتزوج على امرأته بأخرى، موصوفة بهذه الصفات.


١ "راعه" أخافه وأفزعه و"الضرة" بفتح الضاد إحدى الزوجين أو الزوجات و"القرط" بضم القاف- ما يعلق في شحمتي الأذن، وقوله: "بعيدة مهوى القرط" كناية عن طول عنقها، و"النشر" الرائحة.

<<  <  ج: ص:  >  >>