للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذلك: أن حرمان العوذ من أن ترى فصالها، وتمتع بها، دليل على أنه ينحر فصالها، ولا يبقيها، وهذا دليل كثرة القرى الدالة على وفرة الجود ابتياعه لما قرب أجلها، دليل أنها لا تبيت عنده حية، ومعنى هذا: أنه ينحرها, وهذا دليل كثرة القرى الدالة على الجود.

فكل هذه الأمثلة من الكنايات البعيدة، لوجود الواسطة بين المعنى المكني به والمكني عنه، المقتضي لبعد زمن إدراك المقصور منها.

والثانية: وهي الكناية المطلوب بها موصوف ضابطها: أن يصرح بالصفة وبالنسبة، ولا يصرح بالموصوف المطلوب النسبة إليه، ولكن بذكر مكانه أو صفته أو أوصاف تختص به، وتدل عليه، كما في قولك "فلان صفا لي مجمع لبه" كناية عن قلبه، فقد صرح في هذه الكناية بالصفة وهي "مجمع اللب"، وبالنسبة وهي إسناد الصفاء إليها, ولم يصرح بالموصوف المطلوب نسبة الصفاء إليه، وهو القلب، لكن ذكر مكانه وصف خاص به، وهو كونه "مجمع اللب"، فإن القلب -كم يقولون- موضع العقل والتفكير.

وهذه الكناية أيضا نوعان:

الأول: ما تكون الكناية فيه معنى واحدا, كما في المثال السابق "صفا لي مجمع ليه"، فإن مجمع اللب المكني به عن القلب معنى واحد -كما ترى- وكما في قول الشاعر:

الضاربين بكل أبيض مخذم ... والطاعنين مجامع الأضغان١

يصف الشاعر قومه بالبسالة, وحسن البلاء في الحروب، وأن سيوفهم لا تعرف


١ "الأبيض" السيف، و"المخذم" على زنة منبر القاطع، "والأضغان" جمع ضغن وهو الحقد وكل من الضاربين، والطاعنين منصوب على المدح بقدرتهم على النكاية والفتك بأعدائهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>