للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

غير المقاتل جفا, كنى بمجامع الأضغان عن القلوب، وهي معنى واحد: إذ المراد بوحدة المعنى هنا: ألا يكون من أجناس مختلفة وإن كان مثنى أو جمعا, وكون القلب مجمع الضغن وصف خاص به، فلا يحل الضغن في غيره, وقد صرح في هذه الكناية بالصفة، وهي كون القلوب مجامع الأضغان، وبالنسبة الإيقاعية، وهي إيقاع الطعن على هذه المجامع، ولم يصرح بالموصوف المطلوب نسبة إيقاع الطعن عليه، وهو القلوب، ولكن ذكر مكانها وصف خاص بها هو كونها مجامع الأضغان. ومثله قول البحتري من قصيدة يذكر فيها فتكه بذئب:

فأتبعتها أخرى فأضللت نصلها ... بحيث يكون اللب والرعب والحقد١

يقول: أتبعت طعنة بطعنة، أخفيت بها شباة السيف في القلب الذي هو موطن لكل من هذه الأمور الثلاثة, وذلك وصف خاص به، فصح أن تكون كناية, وإنما لم يكن هنا مجموع معان مختلفة؛ لأنها ثلاث كنايات، لا كناية واحدة لاستقلال كل واحد منها بإفادة المقصود.

والثاني: ما تكون الكناية فيه مجموع معان مختلفة، ضم بعضها إلى بعض، فتكون جملتها مختصة بالموصوف، فيتوصل بذكرها إليه, كما يقال في الكناية عن الأسد: روعنا حي، منتفش اللبدة، رهيب الزئير، وكما يقال في الكناية عن الغراب: راعنا مخلوق حديد البصر، شديد الحذر، خفي السفاد، فالكناية في كل من هذين المثالين مجموع هذه الأوصاف، وهو في الأول وصف خاص بالأسد، لا يوجد في سواه، وفي الثاني وصف خاص بالغراب, ومنه قوله تعالى: {وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُر} ٢ فهو كناية يراد بها موصوف، هو "السفينة" لأن مجموع الأمرين, الألواح والدسر، مشدودا أحدهما إلى الآخر: وصف خاص بالسفينة.


١ "النصل" حديدة السيف.
٢ جمع دسار بكسر الدال وهو خيط من ليف تشد به ألواح السفن.

<<  <  ج: ص:  >  >>