للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الضمير في "بيتها" أي: المرأة، وصرح بالصفة، وهي اللوم المنفي في قوله: بمنجاة من اللوم، ولم يصرح بنسبة نفي اللوم عنها، ولكن ذكر مكانها نسبة أخرى، هي نفي اللوم عن بيت يحتويها. وهذا يستلزم نفي اللوم عنها، وعبر بلفظ "يبيت" دون "يظل" لمزيد اختصاص الليل بأفعال الفحش، وارتكاب المآثم. ومثله قولهم: "مثلك لا يبخل" كناية عن نفي البخل عن المخاطب على أبلغ وجه؛ لأنه إذا نفى البخل عمن هو على أخص صفاته، فقد نفى عنه بالطريق الأولى, وهو أبلغ من قولهم: "أنت لا تبخل" "لأنها دعوى غير مدللة -بخلاف الأول- ونظيره قولهم: "العرب لا تخفر الذمم" فهو أبلغ من قولك" أنت لا تخفر الذمم".

خاتمة:

أطبق علماء هذا الفن على المجاز أبلغ١ من الحقيقة وأن الكناية أبلغ من التصريح وأن الاستعارة أبلغ من التشبيه، والمجاز المرسل والكناية.

أما وجه الأبلغية في المجاز والكناية؛ فلأن الانتقال فيهما من الملزوم إلى اللازم٢ فهو كدعوى الشيء ببينة٣، ذلك أنك حين تقول متجوزا: "رأيت أسدا على المنبر" إنما تريد أن تقول: رأيت رجلا مقداما على المنبر، وهذه دعوى قام عليها دليلها، هو


١ المراد بالأبلغية هنا: الأفضلية في الحسن والقبول.
٢ أي: فلا يفهم المعنى المراد منهما من اللفظ نفسه بل بواسطة الانتقال من الملزوم إلى اللازم، فلا يفهم معنى "الشجاع" من ذات قولك: رأيت أسدا على فرس، بل بواسطة الانتقال من معنى الحيوان المفترس إلى لازمه، وهو الجرأة, كذلك لا يفهم معنى "طول القامة" من ذات قولك: فلان طويل النجاد، بل بواسطة الانتقال من طول النجاد إلى لازمة الذي هو طول القامة.
٣ وجه كونها كالدعوى المشفوعة ببينة. أن تقرر الملزوم يستلزم تقرر اللازم لامتناع انفكاك الملزوم عن اللازم فصار تقرر الملزوم مشعرا باللازم.

<<  <  ج: ص:  >  >>