للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أشل" مرادًا به "الشمس" لقرينة حالية, حسنت الاستعارة لحسن التشبيه لما فيه من الدقة بكثرة الاعتبارات. فإذا كان وجه الشبه مبتذلًا كما في استعارة "الأسد" للرجل الجريء فات الحسن.

ويستثنى من جهات حسن التشبيه شيء واحد تحسن فيه الاستعارة, ولا يحسن التشبيه، وهو أن يقوى الشبه بين الطرفين جدا حتى يخيل لك أنهما متحدان كالشبه بين العلم والنور, أو بين الشبهة والظلمة, ففي مثل هذا تحسن الاستعارة، فتقول: في قلبي نور أي: علم، ولا يحسن التشبيه، فلا تقول: في قلبي علم كالنور كما يحسن أن تقول: في قلبي ظلمة أي: شبهة, ولا يحسن أن تقول: في قلبي شبهة كالظلمة.

وإنما قبح التشبيه في مثل هذا لقوة الشبه بين الطرفين حتى كأنهما شيء واحد, فإجراء التشبيه بينهما بمثابة تشبيه الشيء بنفسه, وحسنت فيه الاستعارة لاختفاء شبح التشبيه فيها لفظًا.

٢- أن يزداد بعدها عن الحقيقة بالترشيح؛ ولذلك كانت المرشحة أكثر قبولًا في ذوق البلغاء من أختيها: المجردة، والمطلقة.

٣- ألا يكون وجه الشبه خفيًّا جدًّا, فلا تحسن استعارة لفظ "أسد" للرجل الأبخر، وهو ذو الفم المنتن؛ لخفاء وجه الشبه, إذ إن انتقال الذهن من معنى الأسد إلى الرجل إنما يكون باعتبار المعنى المشهور في الأسد وهو "الجرأة" لا "البخر"، فاستعارة لفظ "الأسد" للأبخر حينئذ يعد إلغازًا وتعمية في المراد.

٤- ألا يشتم فيها رائحة التشبيه لفظًا, بألا يذكر في الكلام لفظ يدل على المشبه كما في قولنا: زارني قمر في منزلي, فليس في العبارة لفظ دال على المشبه. أما الاستعارة في قول الشاعر المتقدم:

لا تعجبوا من بلى غلالته ... قد زر أزراره على القمر

فقليلة الحسن لما فيها من إشمام رائحة التشبيه، بسبب ذكر لفظ دال على المشبه، وهو الضمير في قوله "غلالته" أو في "زر أزراره" وهذا يتنافى مع ما ترمي إليه

<<  <  ج: ص:  >  >>