للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المتهيئ لقتالهم"١.

فعدم الإنكار فيما مثلنا ظاهر حال المخاطب، وهو يقتضي أن يلقى إليه الكلام خاليًا من التأكيد، بل يقتضي ألا يلقى إليه الخبر أصلًا لعلمه بالحكم الذي تضمنه لكن قطع النظر عن هذا الظاهر، وفرض في المخاطب أمر آخر هو الإنكار، لما بدأ عليه من أمارته، وخوطب خطاب المنكر حقيقة، على غير ما يقتضيه ظاهر حاله، كما تراه في البيت، وفي المثال قبله، وهذا خروج بالكلام علن مقتضى الظاهر.

٤- تنزيل المنكر منزلة غير المنكر إذا كان الدليل على غير ما يعتقد واضحًا، بحيث لو استطاع التأمل فيه لارتدع عن إنكاره، وحينئذ لا يؤكد له الخبر كما لو لم يكن منكرًا كقولك لمنكر حقيقة الإسلام: "الإسلام حق" فهذا القول خبر، وقد ألقي للمنكر خلوا من المؤكد تنزيلًا له منزلة غير المنكر، لأن الدليل على حقية الإسلام قائم بين يديه، لو نظر فيه نظرة صادقة لأذعن، وأقلع عن جحوده.

فالإنكار ظاهر حال المخاطب حال وهو يقتضي أن يلقى إليه الخبر مؤكدًا، لكن قطع النظر عن هذا الظاهر، وفرض فيه أمر آخر هو "عدم الإنكار" لوضوح الدليل القائم بين يديه، بحيث يعتبر الإنكار معه كلا إنكار، وخوطب خطاب غير المنكر, إلى غير ذلك من المواضع التي ينزل فيها الشيء منزلة غيره "كما رأيت".

تنبيه:

يعلم مما تقدم أن الحال وظاهر الحال -مع اتفاقهما في أن كلا منهما: أمر يدعو المتكلم إلى اعتبار خصوصية في الكلام- يفترقان من حيث أن ظاهر الحال أخص من الحال، لأن ظاهر الحال هو الوصف الثابت للمخاطب في الواقع كخلو الذهن أو التردد أو الإنكار، بخلاف الحال، هو أعم من أن يكون وصفًا ثابتًا في الواقع، أو كان أمرًا مفروضًا فيه فرضًا, فظاهر الحال في نحو قولك لمنكر حقيقة الإسلام: "أن الإسلام لحق", هو الإنكار إذ هو الأمر الثابت له في الواقع, وهو حال له أيضًا، لأنه أمر دعا المتكلم إلى أن يعتبر الكلام خصوصية هي "التأكيد"، فقد اتحد الحال وظاهر الحال في مثل هذا المثال, أما في نحو قولك للمسلم التارك للزكاة: "إن الزكاة لواجبة" فإن الإنكار هنا يعتبر حالًا، لأنه أمر دعا المتكلم لأن يعتبر التأكيد في خطابه، وليس ظاهر حال للمخاطب إذ ليس وصفًا ثابتًا له في الواقع، وإنما الثابت له عدم الإنكار, غير أن المتكلم لم يعتبر هذا الوصف، وفرض فيه حالًا ليست صفة له هي "الإنكار" وخاطبه على هذا الغرض, فظهر أن ظاهر الحال أخص مطلقًا من الحال". ا. هـ.


١ وفي البيت معنى التهكم والسخرية بشقيق، وأنه من الضعف والجبن بحيث لو علم أن في بني عمه رماحًا ما اتجه إليهم، بل ما قويت يده على حمل السلاح.

<<  <  ج: ص:  >  >>