للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تعريفه بالإشارة:

يؤتى بالمسند إليه اسم إشارة لدواع، يلاحظها البلغاء منها:

١- تمييز المسند إليه أكمل تمييز لاقتضاء الحال ذلك، كأن يكون المقام مقام مدح، أو أن يكون المسند إليه مختصًّا بحكم بديع، فمثال الأول قول ابن الرومي الشاعر العباسي:

هذا أبو الصقر فردًا في محاسنه ... من نسل شيبان بين الضال والسلم١

يمدح الشاعر هذا الرجل بأنه فذ في خَلقه وخُلقه، لا يدانيه فيهما أحد، وأنه سليل قوم ذوي شمم وإباء، لأنهم يسكنون البوادي، وهي لا تخضع لسطان حاكم، ولا تدين لسلطة قانون والشاهد قوله: هذا أبو الصقر، حيث عبر عن المسند إليه "باسم إشارة" لمقصد تمييزه تمييزًا كاملًا، اقتضاء مقام المدح. ومثال الثاني قول الراوندي:

كم عاقل عاقل أعيت مذاهبه ... وجاهل جاهل تلقاه مرزوقا

هذا الذي ترك الأوهام حائرة ... وصير العالم النحرير زنديقًا

يقول: كثير من ذوي الرأي والعقل، ضاقت بهم سبل العيش الرغيد، وسدت في وجوههم مسالك الحياة الهنيئة، بينما نرى كثيرا من ذوي الجهل في رغد من العيش، وسعة الرزق، وهذا الأمر لبعده في بادئ الرأي عن مظان الحكمة والصواب، وخروجه عن المعتاد المألوف، جدير أن يترك العقول حائرة، ويجعل العالم الراسخ في العلم زائغ العقيدة، مسلوب الرشاد، والشاهد قوله: "هذا الذي" حيث أتى بالمسند إليه "اسم إشارة"٢ لقصد تمييزه تمييزا كاملا لما اختص به من هذا الحكم البديع، وهو ترك العقول حائرة، والعالم النحرير زنديقا.

٢- التعريض بغباوة السامع، وأن الأشياء لا تتميز عنده إلا بالإشارة الحسية، كقول الفرزدق يهجو جريرًا، ويفتخر عليه:

أولئك آبائي فجئني بمثلهم ... إذا جمعتنا يا جرير المجامع


١ شيبان اسم قبيلة، والضال جمع ضالة وهي شجرة النبق والسلم بفتح اللام جمع سلمة بالتحريك وهي شجرة ذات شوك.
٢ المشار إليه هو ما فهم من البيت الأول "من إعطاء الجاهل وحرمان العاقل" ولغرابة مدلوله وخروجه عن المألوف اختص بهذا الحكم البديع الذي هو "ترك الأوهام حائرة ... إلخ".

<<  <  ج: ص:  >  >>