للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والنسيان فالنفي شمل الأمرين جميعًا, ومنه قول أبي النجم:

قد أصبحت أم الخيار تدعي ... علي ذنبا كله لم أصنع

برفع: "كل" على أنه مبتدأ، والجملة المنفية بعده خبر, والمعني: لم أصنع شيئًا مما يدعيه على من الذنوب ولإفادة هذا المعنى عدل عن نصب "كل" إلى رفعها حتى لا تقع معمولة للفعل المنفي، وذلك شرط في إفادة العموم.

فإن تقدم النفي على أداة العموم، أو كانت هي معمولة للفعل المنفي لم يكن النفي عامًّا شاملًا، بل أفاد الكلام: نفي الحكم عن بعض الأفراد دون بعض.

فمثال ما إذا تقدم النفي على أداة العموم قول المتنبى:

ما كل ما يتمنى المرأ يدركه ... تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن

يريد: أن الإنسان لا يدرك كل ما يتمنى، وإنما يدرك بعضه، دون بعض, ومثله قولك: ما كل الطلاب نجحوا "وما نجح كل الطلاب", "وما نجح الطلاب كلهم" فالمعنى في هذه الأمثلة: أن النجاح منفي عن بعضهم دون الآخر.

ومثال ما إذا كانت أداة العموم معمولة للفعل المنفي قولك: "كل الصفحات لم أطالع"، و"الصفحات كلها لم أطالع" بنصب "كل" على المفعولية, والمعنى في المثالين: أن المطالعة منفية عن بعض الصفحات دون بعضها, فالنفي في كل هذه المثل ليس عامًّا، وإنما هو منصوب على بعض الأفراد، دون بعض لوقوع أداة العموم في حيز النفي في الصورتين؛ تحقيقًا في الأولى١ وتقديرًا في الثانية٢, يشهد بذلك الذوق السليم, ويدل عليه الاستعمال.


١ وهي صورة تقدم النفي على أداة العموم كما في بيت المتنبي والأمثلة الثلاثة بعده.
٢ هي صورة ما إذا كانت أداة العموم معمولة للفعل المنفي، كما في المثالين الأخيرين.

<<  <  ج: ص:  >  >>