للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

من احتدام الخلاف بينه وبين مناظره، أو بسبب المحافظة على وزن الشعر.

٢- الاحتراز عن العبث في ذكره، في بادئ الرأي١ كما في قوله تعالى: {قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي} فقد حذف الفعل المسند إلى ضمير المخاطبين وهو "أنتم" فأنتم إذا فاعل لفعل محذوف لأن "لو" لا تدخل إلا على الأفعال, وأصل الكلام: لو تملكون تملكون، حذف الفعل الأول احترازًا عن العبث في ذكره لوجود مفسره، وهو "تملكون" "الثاني"، فانعصل الضمير الذي هو واو "الجماعة"، وصار "أنتم" وبقي على فاعليته كما كان الحل وهو متصل, ومثله قوله تعالى: {أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ} أي ورسوله بريء منهم أيضًا، فقد حذف المسند إلى "رسوله"، لأن في ذكره عبثًا لقيام القرينة عليه.

٣- اتباع الاستعمال كما في قول الشاعر:

إن محلا وإن مرتحلا ... وإن في السفر إذ مضوا مهلا٢

يقول: إن لنا في الدنيا حلولا إلى حين، وإن لنا عنها إلى الأخرى ارتحالا، وإن الراحلين عنها أوغلوا في غيبتهم، فلم يعودوا، أي وهكذا نحن على الأثر، سنبقى إلى أمد، ثم نفنى فلا نعود, والشاهد فيه حذف المسند الذي هو خبر "إن" اتباعًا للاستعمال الوارد على حذف الخبر عند تكرار "إن" وتعدد اسمها كما في البيت المذكور, سواء كان الاسم نكرة كما في "هذا البيت، أو معرفة كأن يقول لك قائل: إن القوم ألب عليك٣ فهل لك أحد؟ فيقول: "إن محمدًا وإن عليًّا" أي إن لي محمدًا، وإن لي عليًّا, ومثال الحذف تبعًا للاستعمال أيضًا قولهم: "خرجت فإذا رسول أبي" أي فإذا رسول أبي واقف بالباب، أو وافد علينا، فقد حذف المسند إلى رسول اتباعًا للاستعمال الوارد على ترك


١ إنما كان ذلك في بادئ الرأي، لأنه في الحقيقة لا عبث في ذكره إذا هو أحد ركني الإسناد.
٢ محلًا ومرتحلًا مصدران ميميان بمعنى الحلول والارتحال، السفر بسكون الفاء اسم جمع "مسافر" بمعنى مسافر كركب وراكب والمهل بالتحريك مصدر بمعنى الإمهال وطول الغيبة.
٣ أي مجتمعون على مناهضتك وعداوتك.

<<  <  ج: ص:  >  >>