للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

شاعر "فقد نصصت على المثبت للحجاج وهو "الخطابة"، وعلى المنفي عنه وهو "الشعر" وكذلك الشأن في العطف "ببل ولكن" ولا يترك النص عليهما إلا كراهة الإطناب لغرض ما، كما يقال في قصر الموصوف: "محمد يعرف الكيمياء لا غير" أي لا الطب ولا الهندسة؛ ردًّا على من يقول محمد يعرف الكيمياء والطب والهندسة, وكما يقال في قصر الصفة: "محمد يعرف الطب لا غير" أي لا إبراهيم، ولا خالد، ردًّا على من يقول: محمد يعرف الطب، وإبراهيم، وخالد.

أما الطرق الثلاثة الباقية فالأصل فيها النص على المثبت فقط, فتقول في "النفي والاستثناء" في قصر الصفة: "ما أديب إلا محمد" فقد نص على الذي أثبت له الأدب، وهو "محمد" ولم ينص على الذي نفى عنه، وهو "أحمد" مثلًا. وتقول في قصر الموصوف: ما محمد إلا أديب، فقد نص على الذي أثبت وهو "الأدب"، ولم ينص على الذي انتفى وهو "التجارة" مثلًا, وهكذا يقال في "إنما" و"التقديم" فظهر أن الطرق الثلاثة لا ينص فيها إلا على المثبت.

الرابع: أن الأصل "في النفي والاستثناء": أن يستعملا في أمر من شأنه أن يجهله المخاطب، وينكره، أو فيما هو منزل هذه المنزلة. مثال الأول: أن ترى شبحًا من بُعْد، فتقول: "ما القادم إلا محمد" لمخاطب ينكر عليك ذلك معتقدًا أنه محمود، لا محمد، فقدوم محمد أمر من شأنه أن يجهله المخاطب، وينكره لبعد الشبح في مرأى العين. ومثال الثاني وهو ما نزل فيه الأمر المعلوم منزلة ما من شأنه أن يجهل، وينكر قوله تعالى: {إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِير} أي لست مكلفًا بغير الإنذار, فكونه عليه الصلاة والسلام منذرًا فقط أمر لا يجهله، ولا ينكره, لكن لما كان النبي صلى الله عليه وسلم حريصًا جيد الحرص على هداية الناس، يكرر الدعوة جاهدًا لمن امتنع عن الإيمان، صادقًا عنه نزل ذلك الأمر المعلوم له منزلة ما من شأنه أن يجهل وينكر" فعبر فيه "بالنفي والاستثناء" على ما هو الأصل فيهما.

والأصل في "إنما" على العكس، أي أن تستعمل في أمر من شأنه ألا يجهله المخاطب، ولا ينكره، أو فيما نزل هذه المنزلة. مثال الأول: أن ترى شبحًا من قرب، بحيث يدرك بقليل من التأمل فتقول لآخر: "إنما المقبل ذئب" فمثل هذا الحكم -والحالة هذه- من شأنه ألا يجهله المخاطب ولا ينكره لقرب الشبح في مرأى العين, وكما تقول: "إنما هو صاحبك القديم"، و"إنما هو أخوك" لمن لا يجهل ذلك، ولكنك تريد أن تنبهه إلى ما يجب عليه: من رعاية حرمة الصاحب، وحق الأخوة لترققه،

<<  <  ج: ص:  >  >>