للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والإغضاء, وفي الأمر بالمعروف: صلة الرحم، والحدب على ذوي القربى، وصون الجوارح عن المحارم, وفي الإعراض عن الجاهلين الصبر والأناة، وكظم الغيظ, وما إلى ذلك من أحاسن الشيم, ومثله قوله تعالى: {فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} , وهي جملة جامعة تضمنت سرًّا من أسرار التشريع التي عليها مدار سعادة المجتمع الإنساني في أولاه وآخرته, ذلك أن الإنسان إذا علم أنه متى قَتَلَ قُتِلَ دعاه ذلك إلى أن يكف عن القتل خشية أن يذهب ضحية جرمه "قصاصًا", وبهذا القصاص ارتفع كثير من قتل الناس بعضهم بعضًا، وفي ذلك حياة لهم, فهذا المعنى الكثير في كل من "الآيتين" أداه لفظ يسير، من غير أن يكون في اللفظ شيء محذوف يحتاج إليه في أداء المعنى المقصود.

وفي هذه الجملة من بلاغة الإيجاز ما يقف دونه قولهم المأثور: "القتل أنفى للقتل", ذلك أن النص الكريم يفضله من وجوه, منها:

١- أن النص القرآني كلمتان فحسب, أما النص العربي فأربع، وما كان أقل لفظًا، مع الوفاء بالمعنى، فهو أبلغ.

٢- أن في النص الكريم تصريحًا بالمطلوب، وهو "الحياة", التصريح بها أزجر عن القتل بغير حق، وأدعى إلى القصاص, أما القول المأثور فإنما يدل على "الحياة" لزومًا، لا نصًّا.

٣- أن في النص الكريم تذكيرًا "للحياة" وهو مفيد لتعظيمها من حيث إن في تشريع القصاص حياة من هم بالقتل، وحياة المهموم بقتله، وحياة كل من تسول له نفسه بقتل غيره، وحياة ذلك الغير, ففيه إذا حياة الجميع وأي حياة أعظم من تلك الحياة؟ ١ أما النص المأثور, فخلو من هذه المزية.

٤- أن النص الكريم عام مطرد إذ القصاص مطلقًا في كل وقت، ولكل فرد سبب في الحياة, أما النص العربي فليس في ظاهره٢ مطردًا


١ وقيل في إفادة التفكير للتعظيم، إنهم كانوا في الجاهلية يقتلون القائل ويقتلون عصبته معه، فلما شرع القصاص وهو قتل القائل وحده كان في ذلك حياة لأولياء القائل.
٢ إنما كان ذلك بالنظر للظاهر لأن المراد بالقتل في قولهم هذا هو القتل قصاصًا لا مطلق قتل.

<<  <  ج: ص:  >  >>