للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وأحمق ممن يكرع الماء قال لي ... دع الخمر واشرب من نقاخ مبرد

وكقول امرئ القيس الشاعر الجاهلي١:

غدائره مستشزرات إلى العلا ... تضل العقاص في مثنى ومرسل٢

يصف الشاعر حبيبته بكثرة الشعر وغزارته، وأنه مرتفع فوق رأسها، وأنه لكثافته منوع الأجزاء, فبعضه معقوص ملوي، وبعضه مثنى، وبعضه مرسل لا عقص فيه ولا تثنية، وأن المعقوص منه يتيه ويختفي فيما ثني وأرسل منه. فهاتان الكلمتان "في البيتين" غير فصيحتين؛ لما فيهما من تنافر في الحروف وإن كان أخف وقعا مما قبله، وهو خلل واقع في مادتهما كذلك.

قيل: إن الضابط المعول عليه في ضبط التنافر قرب مخارج الحروف أو بعدها بمعنى: أن تكون الحروف متقاربة في المخرج، أو متباعدة فيه؛ فلفظ "الهعخع" مثلا متنافر ثقيل لتقارب حروفه في المخرج؛ لأن الهاء والعين والخاء خارجة كلها من مخرج واحد هو الحلق إلا أن بعضها خارج من أقصاه، وبعضها من قريب منه. ولفظ "مستشزرات" متنافر ثقيل أيضا لتقارب حروفه في المخرج كذلك, إذ إن حروفه ما عدا الميم خارجة من مخرج واحد هو "اللسان"، غير أن بعضها خارج من طرفه، وبعضها من وسطه. ونحو "ملع" بمعنى:


١ هو أسبق شعراء الجاهلية إلى ابتداع المعاني، وحسن التعبير عنها، وأول من وقف على الديار واستبكى الأطلال.
٢ الغدائر: جمع غديرة, وهي المسماة بالضفيرة, والضمير راجع إلى "فرع" في البيت الذي قبله وهو:
وفرع يزين المتن أسود فاحم ... أثيث كقنو النخلة المتعثكل
أي: فرع محبوبته، ومستشزرات بكسر الزاي بمعنى: مرتفعات, ويروى بفتح الزاي بمعنى: مرفوعات، والعقاص: جمع عقيصة, وهي الخصلة من الشعر مجتمعة فوق الرأس، "والمثنى" الشعر المفتول، "والمرسل" ضده.

<<  <  ج: ص:  >  >>