للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أسرع, متنافر الحروف أيضًا لتباعد حروفه في المخرج, إذ إن الميم خارجة من الشفتين، والعين من أقصى الحلق ... وهكذا.

ورد هذا القول بأن الضابط المذكور غير مطرد؛ لأنا لا نجد تنافرا في لفظتي "الجيش والشجي" مع تقارب الجيم والشين في المخرج, كما لا نحس تنافرا في مثل "علم وملح" مع تباعد العين والميم والحاء في المخرج.

على أننا لو اعتبرنا التباعد في المخرج، أو التقارب فيه منشأ للتنافر المخل بالفصاحة لاقتضى ذلك وقوع غير الفصيح في القرآن, فقد ذكرت مادة "علم" في غير موضع منه مع تباعد العين والميم في المخرج, كما ورد في قوله تعالى: {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آَدَمَ} الآية، مع تقارب الهمزة والعين والهاء في المخرج, وورود غير الفصيح في القرآن المعدود في أعلى طبقات الفصاحة مما لا يؤمن به عاقل.

وقد يجاب بأن ورود كلمة غير فصيحة في جمهرة الكلام الفصيح لا يخرجه عن فصاحته, كما أن ورود كلمة أعجمية في كلام عربي لا يخرجه عن عربيته بدليل ورود كثير من الكلمات الأعجمية في القرآن، ومع ذلك لا يسع عاقلا أن ينكر عربيته، كيف وقد قال تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا} .

ورد هذا الجواب: بألا يسلم لهذا القائل ما ادعاه من أن اشتمال الكلام الفصيح على كلمة غير فصيحة لا يخرجه عن فصاحته؛ لأن علماء البلاغة شرطوا في فصاحة الكلام أن تكون أجزاؤه كلها فصيحة, والقياس على الكلام العربي قياس مع الفارق؛ لأنهم لم يشترطوا في الكلام العربي أن تكون كل كلماته عربية كما شرطوا في الكلام الفصيح, على أن مجرد ورود كلمة غير فصيحة في القرآن مما يجرّ إلى ما لا يليق به "سبحانه" من نسبة العجز له عن إبدال غير الفصيح بالفصيح في كلام قصد به الإعجاز, والتحدي لبلوغه أعلى طبقات البلاغة.

<<  <  ج: ص:  >  >>