للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قفرا -على هذا القول- قيامه وحده في هذا المكان, و"قرب" ظرف مكان خبر ليس مقدما، ولفظ "قبر" اسمها مؤخرا.

والشاهد فيه المصراع الثاني؛ فإن كلماته متعادية ينفر بعضها من بعض أشد النفور, حتى إن اللسان لا يكاد يلفظ بها مجتمعة. ومثله قول الشاعر:

أزج زلوج هزرفي زفازف ... هزف يبذ الناجيات الصوافنا١

فإن اللسان ليتعثر عند النطق به, أيما تعثر.

والثاني كقول أبي تمام من قصيدة يعتذر بها لممدوحه، ويتبرأ مما نسب إليه زورا وبهتانا:

كريم متى أمدحه أمدحه والورى ... معي وإذا ما لمته لمته وحدي٢

يصف الشاعر ممدوحه بالكرم والسخاء, وأنه إذا ما جرى لسانه بمدحه رأى الناس عامة ألسنة مدح وثناء معه لفيض إنعامه وعموم أياديه, وإذا ما هم بلومه لم يتبعه فيه أحد لبراءته مما يقتضي اللوم, والواو في قوله: "والورى معي" واو الحال بدليل وقوع هذه الجملة في مقابلة قوله: "وحدي" الواقع آخر البيت, فإنه حال أيضا,


١ "أزج" بفتح الهمزة والزاي وتشديد الجيم، "وزلوج" على زنة صبور، و"هزرفي" بفتح الهاء وسكون الزاي وفتح الراء وكسر الفاء وتشديد الياء، و"زفاف" على زنة صيغة منتهى الجموع, وكلها أوصاف لفرس معناها: خفيف سريع، و"هزف" بكسر ففتح ففاء مشددة معناه الجافي أو الطويل, و"يبذ": يسبق، و"الناجيات الصوافن": الخيل القوية.
٢ ذكر الصاحب بن عباد أنه أنشد هذه القصيدة بحضرة ابن العميد, فلما بلغ هذا البيت قال له ابن العميد: هل تعرف فيه شيئا من الهجنة؟ قال: نعم مقابلة المدح باللوم, وإنما يقابل بالذم والهجاء فقال ابن العميد: غير هذا أردت، فقال: لا أدري غير هذا، فقال ابن العميد: هذا التكرار في "أمدحه" مع الجمع بين الحاء والهاء خارج عن حد الاعتدال, نافر كل التنافر, فأثنى عليه الصاحب.

<<  <  ج: ص:  >  >>