للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولا يصح جعل "الواو" عاطفة لما يترتب عليه من توقف مدح الورى على مدحه, وفي هذا قصور يبرأ منه مقام المدح, ولما يترتب عليه أيضًا من اتحاد الشرط والجزاء١.

والشاهد فيه قوله: "أمدحه أمدحه" فإن في اجتماع هاتين الكلمتين ثقلا في النطق بهما يشعر به صاحب الذوق السليم, وليس في مجرد الجمع بين الحاء والهاء ثقل كما قيل, كيف وقد وقع ذلك في القرآن الكريم قال تعالى: {وَسَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا} غير أن الجمع بينهما مع تكرار الكلمة يزداد به التنافر ثقلا, وهو مما يقبل التفاوت شدة وضعفا. ومثل البيت المذكور قول الشاعر:

ومن جاهل بي وهو يجهل جهله ... ويجهل علمي أنه بي جاهل

فإن فيه نوع ثقل يشعر به ذو الذوق البلاغي السليم.

ضعف التأليف: هو أن يكون الكلام في تركيبه مخالفا للمشهور من قوانين النحو التي اعتمدها جمهور النحاة كالإضمار قبل ذكر المرجع لفظا، ومعنى، وحكما كما في قول القائل: "أنقذ خادمه الأمير" فإن الضمير في "خادمه" راجع إلى الأمير، وهو لم يذكر قبل الضمير لفظا وهو ظاهر ولا معنى لعدم وجود ما يقتضي تقدمه، ولا حكما لأنه


١ بيان ذلك: أن جملة "أمدحه" الثانية واقعة جزاء للشرط الذي هو جملة "أمدحه" الأولى, وجزاء الشرط -كما هو معلوم- متوقف تحققه على وجود الشرط, فلو جعلنا الواو عاطفة لكانت جملة "والورى معي" معطوفة على جملة الجزاء والمعطوف على الجزاء يكون داخلا في مفهومه وجزءا منه، فتكون الجملة المعطوفة حينئذ متوقفا تحققها على وجود الشرط كالتي عطفت عليها، وإذًا يكون مدح الورى متوقفا على مدحه. أما اتحاد الشرط والجزاء على تقدير العطف المذكور فأمره ظاهر, إذ إن الجملة المعطوفة مستقلة بذاتها عن المعطوفة عليها, بخلاف ما لو جعلت الواو حالا فإنه لا يؤدي إلى هذين المحظورين, أما في الأول فلأن التقدير حينئذ: متى أمدحه أمدحه في حال مشاركة الورى لي في المدح, فالجزاء مدحه في هذه الحالة، وهذا لا ينافي مدحهم له قبل ذلك, وأما في الثاني فلأن الجزاء مقيد دون الشرط فلم يتحدا.

<<  <  ج: ص:  >  >>