للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

محكوم عليه بالتأخر لمفعوليته، لا لنكتة بلاغية, وسيتضح لك ذلك فيما بعد، فالمثال المذكور إذًا غير فصيح لضعف تأليفه١. ومثله قول الشاعر:

جزى بنوه أبا الغيلان عن كبر ... وحسن فعل كما جوزي سنمار٢

يدعو الشاعر على أبي الغيلان أن يجازيه أولاده -مع كبر سنه، وحسن صنيعه معهم- شر جزاء كما وقع لسنمار. والشاهد فيه قوله في المصراع الأول: جزى بنوه أبا الغيلان, حيث أضمر قبل ذكر المرجع لفظا, ومعنى، وحكما كالمثال الذي قبله, فهو إذًا غير فصيح لضعف تأليفه.

تنبيه:

مما تقدم يفهم أن المرجع إذا تقدم على الضمير، أو معنى, أو حكما كان الكلام سليما معافى من الضعف المذكور.

فالتقدم اللفظي: أن يتقدم المرجع على الضمير لفظا, أي: أن ينطق به أولا، وبالضمير ثانيا كما في قوله تعالى: {وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ} ، وكما في قولك: "أكرم محمدا


١ أجاز هذه المسألة بعض النحاة كالأخفش وابن جني, ولكنه جواز لا يدفع الضعف؛ لأنه مقابل للمشهور من قوانينهم, والمعول عليه في الضعف مخالفة الكلام لما اشتهر بين جمهورهم. أما الكلام المخالف لما أجمع النحاة على منعه كتقديم المحصور فيه بإنما في نحو: إنما عالم محمد، وكنصب الفاعل أو جره مثلا فهو فضلا عن ضعفه فاسد.
٢ "سنمار": اسم رجل بنى للنعمان بن امرئ القيس قصرا عظيما بالكوفة سماه "الخورنق" وقد أتقن بحذقه وبراعته صنعه, ولما أكمل بناءه وزخرفه ألقاه النعمان من أعلاه لئلا يبني قصرا مثله لغيره فمات لوقته، وضرب به المثل لكل من يجازى على الخير بالشر، وفي هذا يقول شاعرهم:
جزتنا بنو سعد بحسن فعالنا ... جزاء سنمار؛ وما كان ذا ذنب

<<  <  ج: ص:  >  >>