للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

"لها" وصف لسبوح، وقوله: "منها" حال من شواهد١، و"عليها" متعلق به.

يصف الشاعر فرسه بشدة الجري وحسنه، وأنها منجاة له من الشدائد بخفة حركتها، وشدة عدوها، وأن أمارات النجابة بادية عليها. الشاهد في المصراع الثاني, فإن تكرار الضمير فيه أخل بفصاحته.

ومثال تتابع الإضافات قول ابن بابك:

حمامة جرعاء حومة الجندل اسجعي ... فأتت بمرأى من سعاد ومسمع٢

يأمر الشاعر حمامة هذا الوادي بالسجع والتطريب؛ إعجابا بمحبوبته واحتفاء بها، ولكي تسمع وترى ما يسرها ويبهجها. والشاهد في المصراع الأول, فإن فيه إضافات متتابعة, إذ أضيف "حمامة" إلى "جرعاء" المضافة إلى "حومة" المضافة إلى "جندل"، وهذا مخل بفصاحة الكلام.

هكذا زعم هذا القائل، وفيه نظر؛ لأن كثرة التكرار، أو تتابع الإضافات إن ثقل اللفظ به على اللسان فقد دخل في باب التنافر وإلا فلا يخل بالفصاحة, كيف وقد ورد في القرآن الكريم قال تعالى: {مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ} ، وقال سبحانه: {ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ} ، وقال جل شأنه: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا، فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا} إلى غير ذلك مما نراه في غير موضع من كتاب مقدس هو في أعلى طبقات البلاغة، لا ينكر عليه ذلك أحد. وقد اجتمع الأمران في الحديث


١ لأنه في الأصل نعت لها, ونعت النكرة إذا قدم عليها أعرب حالا.
٢ "جرعاء" مؤنث أجرع, وهو الأرض الجرداء لا تنبت شيئا وقصرت للضرورة، و"الحومة": معظم الشيء و"الجندل": الأرض ذات الحجارة و"السجع": تغريد الحمام، وقوله: فأنت بمرأى ... إلخ أي: في مكان تراك فيه سعاد وتسمعك, يقال: فلان بمرأى مني ومسمع أي: بحيث أراه وأسمع قوله.

<<  <  ج: ص:  >  >>