للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الشريف, قال صلى الله عليه وسلم: "الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم" فهذا الحديث جمع بين التكرار, وتتابع الإضافات١.

الثاني: إنما شرطنا في فصاحة الكلام أن تسلم كل كلمة فيه من العيوب المخلة بفصاحتها؛ لتعلم أن نحو: "محمد أصدق مودة من أخيه"، ونحو: "شعر هند مستشزر"، و"أنفها مسرج" غير فصيح، مع أنه كلام سليم من العيوب المخلة بفصاحته، فلا تنافر كلمات فيه، ولا ضعف تأليف، ولا تعقيد، ولكنه لما لم يسلم من العيوب المخلة بفصاحة بعض أجزائه لم يكن فصيحا؛ إذ الشرط في فصاحة الكلام -كما قلنا- سلامته من عيوبه وعيوب أجزائه, كما تقول في الأمثلة السابقة: "محمد أصدق مودة من أخيه"، و"شعر هند مرتفع"، و"أنفها مستقيم دقيق، أو ناضر بهيج".

وهذا هو معنى قول الخطيب في تعريف فصاحة الكلام: خلوصه من ضعف التأليف وتنافر الكلمات والتعقيد، مع فصاحة الكلمات. وهم قد جعلوا الظرف حالا من الضمير في "خلوصه" العائد على الكلام أي: أن يخلص الكلام من هذه الثلاثة حال كونه فصيح الكلمات ليخرج بذلك نحو قولهم: شعر هند مستشزر, فإنه -وإن خلص من الأمور المذكورة- غير فصيح لخلو بعض كلماته من الفصاحة٢.

إذا علمت هذا, علمت أن كل كلام سلم من عيوبه، وعيوب أجزائه عُدَّ في عرف البلغاء فصيحا, وإن لم يسلم من ذلك فقد تعطل جيده من حلية البلاغة.


١ ذلك لأن الإضافات تشمل المتداخلة بأن يكون الأول مضافا للثاني والثاني مضافا للثالث وهكذا كما في الآيتين الأوليين, وغير المتداخلة كما في الحديث, وكثرة التكرار تحصل بذكر الشيء ثالثا سواء كان المذكور ضميرا كما في الآية الثالثة, أو غير ضمير كما في الحديث.
٢ وقيل: الظرف حال من الكلمات أي: أن يخلص الكلام من كذا وكذا ومن تنافر الكلمات حال كونها فصيحة, وفي هذا التقدير فساد لأن الظرف حينئذ يكون قيدا للتنافر الداخل تحت النفي وهو الخلوص, والقاعدة: أن النفي إذا دخل على مقيد بقيد توجه في الغالب إلى القيد, وهو هنا فصاحة الكلمات, فيكون المعتبر في فصاحة الكلام انتفاء فصاحة الكلمات مع وجود التنافر, وهذا عكس المقصود؛ إذ المقصود انتفاء التنافر مع وجود فصاحة الكلمات, فيدخل في الفصيح ما ليس بفصيح, ويكون التعريف حينئذ غير جامع.

<<  <  ج: ص:  >  >>