للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والمناسبة بين المعنى اللغوي والاصطلاحي هي أن الكلام إذا طابق مقتضى الحال, وصل إلى المطلوب عند البلغاء.

وحال الخطاب -أي المقام١ الذي ورد فيه الخطاب- هي الأمر الداعي للمتكلم إلى أن يعتبر٢ في كلامه شيئا خاصا زائدا على أصل المعنى.

ومقتضى الحال: هو ذلك الأمر الزائد الذي اعتبره المتكلم في كلامه لاقتضاء الحال إياه، وهو ما يسمونه بالاعتبار المناسب، أو الخصوصية.

ومطابقة الكلام لمقتضى الحال: هي اشتماله على ذلك الشيء الزائد. مثال ذلك أن يقال لمنكر رسالة محمد, صلى الله عليه وسلم: "إن محمدا لرسول الله"، فإنكار المخاطب لهذه الرسالة "حال" لأنها أمر يحمل المتكلم على أن يعتبر في كلامه شيئا خاصا زائدا على أصل المعنى هو "التأكيد" محوًا لهذا الإنكار كما في المثال المذكور. فإن التأكيد -كما ترى- شيء زائد على المعنى الأصلي الذي هو ثبوت الرسالة لمحمد، وصورة هذا التأكيد التي وردت في الكلام هي "مقتضى الحال"؛ إذ إن الحال اقتضتها، ودعت إليها, واشتمال الكلام على هذه الصورة هو معنى "مطابقته للمقتضى". فهذا القول حينئذ بليغ


١ الحال والمقام شيء واحد، فهما متحدان ذاتا, فكلاهما الأمر الداعي للمتكلم لأن يعتبر في كلامه شيئا زائدا على أصل المعنى, والاختلاف بينهما إنما هو بحسب الاعتبار؛ فإن اعتبر ذلك الأمر الداعي أنه زمان لورود الكلام فيه سمي "حالا" وإن اعتبر أنه محل لوروده سمي "مقاما"، وكل ذلك لا يعدو التوهم والاعتبار وإلا فليس الأمر الداعي -كالإنكار مثلا- زمانا ولا مكانا, وإنما هو سبب لورود الكلام على صورة خاصة. غير أنه لما كان لا بد لهذا الأمر من زمان ومكان يقع فيهما سمي بأحدهما تارة وبالآخر أخرى, فالتسمية حينئذ لأدنى ملابسة.
٢ أي: يلاحظ ويقصد, فلا بد في بلاغة الكلام من أن يكون مقتضى الحال مقصودا ملاحظا للمتكلم, ولا يكفي حصوله من غير قصد, وإلا لم يكن مقتضى حال ولم يعتبر الكلام حينئذ مطابقا لمقتضى الحال.

<<  <  ج: ص:  >  >>