لأنه مطابق لمقتضى الحال, أي: مشتمل على ما تقتضيه الحال من التأكيد.
ومثل الإنكار خلوّ الذهن كما تقول لخالي الذهن:"نجح أخوك في الامتحان"، فخلوّ ذهن المخاطب عن الحكم المذكور "حال"؛ لأنها أمر يحمل المتكلم على أن يعتبر في كلامه شيئا زائدا على أصل المعنى، وذلك الشيء هو تجريده عن صورة التأكيد إذ لا حاجة إليه حينئذ، والتجريد عنه هو "مقتضى الحال"، وورود الكلام مجردا عن التأكيد أي: مشتملا على عدم التأكيد١ هو معنى مطابقته للمقتضى, فهذا القول إذًا بليغ؛ لأنه مطابق لمقتضى الحال أي: مشتمل على ما يقتضيه الحال من التجريد عن التأكيد.
لكن قد يقال: إن القول المذكور الموجه لخالي الذهن ليس فيه أكثر من الدلالة على أصل المعنى الذي هو ثبوت النجاح لأخي المخاطب, فأين الزيادة التي اقتضتها الحال؟ ويجاب بأن كون الاقتصار على أصل المعنى مقصودا لاقتضاء الحال له هو تلك الزيادة المطلوبة, إذ إن هناك فرقا بين أن يكون الاقتصار على إفادة أصل المعنى غير مقصود للمتكلم، وبين أن يكون الاقتصار على ذلك مقصودا له لاقتضاء الحال إياه, وهذا المعنى الأخير -بلا شك- زائد على الأصل.
ولهذا نظير في بحث أحوال المسند إليه عند إيراده اسم إشارة كما تقول:"هذا محمد، وذلك محمد" فإن اللفظ في المثالين لا يدل ظاهره على أكثر من المعنى الأصلي، وهو كون المشار إليه قريبا أو بعيدا؛ لأن "هذا" موضوع للقريب، و"ذلك" للبعيد، لكن علم المعاني لا ينظر لهذا اللفظ هذه النظرة المجردة، ولا يقف به عند هذا الحد، وإنما ينظر إليه من ناحية الدواعي التي اقتضت استعماله فيما
١ معنى اشتماله على عدم التأكيد: اعتباره مجردا عنه لاقتضاء الحال إياه, وهكذا يقال فيما ليس بلفظ من مقتضيات الأحوال.