للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأوضحها دلالة على معنى "الكرم"، وأسرعها انتقالا إليه هو "كثرة الرماد"؛ لكثرة استعماله في هذا المعنى, في حين أنه أكثر وسائط من أخويه.

إلى هنا وضح لك اختلاف الوضوح في الدلالتين العقليتين -التضمنية والالتزامية- بما لا يقبل المزيد.

أما الدلالة الوضعية المطابقية التي هي دلالة اللفظ على تمام معناه, فليست من مباحث هذا الفن؛ إذ لا يتأتى فيها الاختلاف في الوضوح.

بيان ذلك: أن السامع لا يخلو حاله من أمرين:

١- أن يكون عالما بوضع الألفاظ لمعانيها.

٢- ألا يكون عالما بهذا الوضع.

فإن كان الأول فلا تفاوت في الدلالة على المعنى؛ لأن كل لفظ معلوم وضعه لمعناه, وإن كان الثاني فقد انعدم فهم المعنى من اللفظ لتوقف الفهم على العلم بالوضع، وفهم المعنى من اللفظ هو معنى "الدلالة"؛ إذ هي -على أحد القولين السابقين- فهم أمر من أمر, وإذا انتفى الفهم المذكور الذي هو الدلالة فلا اختلاف في الوضوح؛ إذ لا يتصور اختلاف وضوح فيما لا دلالة له. فإذا قلت مثلا: "محمد يشبه السحاب في العطاء"، وكان السامع يعلم بوضع هذه الألفاظ لمعانيها، ثم أتيت بتركيب آخر دال على هذا المعنى بألفاظ مرادفة لألفاظ التركيب الأول، فقلت: "محمد يحكي الغمام في النوال", وكان السامع يعلم أيضا بوضع هذه الألفاظ لمعانيها؛ امتنع حينئذ أن يكون التركيب الثاني أوضح دلالة من الأول، بل هما في الدلالة سواء.

فإذا لم يعلم السامع وضع الألفاظ لمعانيها في التركيبين، أو في أحدهما لم يفهم شيئًا أصلا؛ لتوقف الفهم على العلم بالوضع كما

<<  <  ج: ص:  >  >>