للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشبه مبالغة, وإلا فإن إلحاق المحسوس بالمعقول قلب للأوضاع١ وجعل الفرع أصلا، والأصل فرعا وهو لا يجوز، ولا يستسيغه عقل لولا قصد المبالغة. ومثله قول الشاعر:

وفتكت بالمال الجزيل وبالعدا ... فتك الصبابة بالمحب المغرم

فالفتك الأول حسي، والثاني عقلي، وهو من أحاسن التشبيهات وأبدعها، وأشدها تأثيرا في النفس، وامتلاكا للقلب.

تنبيه:

من الحسي ما لا تدركه الحواس بذاته ولكن تدرك مادته, ويسمى "خياليا", وهو الشيء المعدوم خارج الأعيان الذي ركبته المتخيلة من أمور مدركة بالحس, كما في قول الصنوبري:

وكأن محمر الشقيـ ... ـق إذا تصوب أو تصعد

أعلام ياقوت نشر ... ن على رماح من زبرجد٢

يشبه الشاعر هذا الزهر الأحمر حال تصوبه وتصعده بهيئة أعلام من ياقوت، منشورة على رماح من زبرجد. وليس من شك أن صورة الأعلام المصنوعة من ياقوت، المنشورة على رماح مصنوعة من زبرجد، شيء لا يدرك بالحس الظاهر لعدم وجوده خارج


١ ذلك أن الأمور العقلية مستفادة من طريق الحواس, فالحواس إذا أصل لها "كحدوث العالم" مثلا فهو أمر عقلي أدركه العقل من تغيره المدرك بحاسة البصر, ولولاها ما أدركه؛ ولذا قالوا: من فقد حسا فقد علما, فتشبيه المحسوس بالمعقول حينئذ قلب للوضع سوغه قصد المبالغة.
٢ "محمر الشقيق" من إضافة الصفة للموصوف أي: الشقيق المحمر, وهو ورد أحمر في وسطه سواد، ويقال له: شقائق النعمان، إضافته إلى النعمان لأنه ينبت كثيرا في أرض كان يحميها "النعمان" وهو لقب لكل من ملك الحيرة، وقيل: النعمان اسم للدم والشقيق يشبهه في اللون, فالإضافة إذًا تشبيهية من إضافة المشبه للمشبه به، و"تصوب": مال إلى أسفل, و"تصعد": مال إلى علو.

<<  <  ج: ص:  >  >>