للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النشر مسك والوجوه دنا ... نير وأطراف الأكف عنم١

جمع الشاعر أيضا في هذا البيت كل مشبه به مع مشبهه كما في البيت السابق. وسمي هذا النوع "مفروقا"؛ لأنه لم يجمع فيه بين المشبهات على حدة، ولا بين المشبهات بها كذلك كما في القسم الأول، بل فرق بينهما، فوضع كل مشبه به بجوار مشبهه كما ترى.

وتشبيه التسوية: هو أن يتعدد المشبه، دون المشبه به كقول الشاعر:

صدغ الحبيب وحالي ... كلاهما كالليالي

وثغره في صفاء ... وأدمعي كاللآلي

شبه الشاعر في البيت الأول حاله، وصدغ حبيبه بالليالي في السواد، وشبه في البيت الثاني أدمعه، وثغر حبيبه باللآلي في الصفاء والتألق, فالمشبه فيهما متعدد دون المشبه به. وسمي هذا النوع "تشبيه التسوية"؛ لأنه سوي فيه بين شيئين في إلحاقهما بشيء واحد, كما تراه في البيتين.

وتشبيه الجمع: هو أن يتعدد المشبه به دون المشبه, عكس تشبيه التسوية, كما في قول البحتري من قصيدة له:

بات نديما لي حتى الصباح ... أغيد مجدول مكان الوشاح

كأنما يبسم عن لؤلؤ ... منضد أو برد أو أقاح٢


١ "النشر": الرائحة الطيبة, و"العنم": شجر لين الأغصان أحمر اللون, تشبه به أصابع الجواري المخضبة, وأراد بأطراف الأكف الأصابع. يريد أن يقول: إن رائحة هؤلاء النسوة كرائحة المسك والوجوه منهن كالدنانير من الذهب في الاستدارة، والاستنارة، والصفرة، وهذا اللون مما كان يستحسن في ألوان النساء، وإن أصابعهن كالعنم في الحمرة والليونة.
٢ "النديم" في الأصل: مؤانسك حال الشرب, والمراد هنا المؤانس ليلا، و"الأغيد": الناعم البدن, مؤنثه غيداء ويقال: غادة, و"المجدول": المدمح أي: المدخل بعضه في بعض, يريد: أنه ضامر الخاصرتين والبطن وهما موضع الوشاح, وهو جلد عريض مرصع بالجواهر يشد في الوسط بقصد التزين، و"يبسم" من باب "ضرب" وقد ضمن هنا معنى يكشف فعداه بعن. وفي جعل هذا البيت من باب التشبيه نظر؛ لأن المشبه وهو "الثغر" غير مذكور في الكلام فهو إذًا من باب الاستعارة. وقد يجاب بأن التشبيه هنا ضمني لا صريح يدل عليه "كأن" إذ إن المجاز يجب ألا يشتمّ فيه رائحة التشبيه لا لفظا, ولا تقديرا.

<<  <  ج: ص:  >  >>