للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

البدعة بالظلمة، وشاع وصفها بها، وكان من أثر هذا الشيوع أن تخيل أن البدعة من الأجرام ذوات اللون الأسود, كما تخيل الكفر من الأجرام التي لها سواد في قولهم: "شاهدت سواد الكفر في جبين فلان" ولزم بطريق العكس أن تشبه السنة، وكل ما هو هدى بالنور، وشاع وصفها به حتى تخيل أن السنة من الأجرام ذوات اللون الأبيض المشرق, كما تخيلت الشريعة الغراء من الأجرام التي لها بياض في قوله, صلى الله عليه وسلم: "أتيتكم بالحنيفية البيضاء ليلها كنهارها" فبسبب هذا التخيل، واعتبار ما ليس بمتلون متلونا, صح تشبيه النجوم بين الدجى بالسنن بين الابتداع، وصار واضحا جليا. ونظير هذا تشبيههم النجوم بين الدجى ببياض الشيب يلمع في سواد الشباب، أو بالأزهار تتألق بين النبات الشديد الخضرة.

والبيت المذكور من قبيل تشبيه مفرد مقيد بمفرد مقيد, فإن المشبه "النجوم" بقيد كونها ظهرت بين قطع الليل البهيم، والمشبه به "السنن" بقيد كونها لاحت بين الابتداع.

غير أن في عبارة الشاعر قلبا؛ لأنه جعل في جانب المشبه "النجوم بين الدجى" فكان الواجب أن يجعل في جانب المشبه به "السنن بين الابتداع" لتصح المقابلة، ويتوافق الجانبان. ولعل النكتة في هذا القلب الإشارة إلى كثرة السنن في زمانه، وأن البدع بالقياس إليها كانت قليلة.

ومثل قول التنوخي قول أبي طالب الرقي:

ولقد ذكرتك والظلام كأنه ... يوم النوى وفؤاد من لم يعشق١

يصف الشاعر نفسه بالوفاء، وأنه لا ينسى حبيبه حتى في أحلك الأوقات وأشد الأزمات. ووجه الشبه بين الطرفين هو "السواد"


١ في هذا البيت تشبيه جمع؛ لاتحاد المشبه وتعدد المشبه به.

<<  <  ج: ص:  >  >>