للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

غير أنه متخيل في المشبه به كالذي قبله؛ لأنه لما شاع وصف أوقات المكاره بالسواد توسعا، فقالوا: اسودّ النهار في عيني، وأظلمت الدنيا في وجهي, تخيل أن "يوم النوى" من الأشياء ذوات اللون الأسود, فشبه الظلام به, كما شبه بفؤاد من لم يعشق تظرفا, فإن الغزل يدعي قسوة من لم يعشق؛ ولذا يقولون: ويل للشجي من الخلي, وكم يوصف القلب القاسي بالسواد حتى تخيل أن له سوادا حالكا. ومثله قول الشاعر:

يا من له شعر كحظي أسود ... جسمي نحيل من فراقك أصفر

فإن الوجه بين الطرفين السواد، وهو متخيل في المشبه به لشيوع وصفه بالسواد, حتى تخيل أنه ذو لون أسود تدركه العيون.

فإذا قيل في هذا البيت: "يا من له حظ كحظي أسود"، أو قيل في بيت أبي طالب: "ولقد ذكرتك والزمان كأنه يوم النوى ... " "البيت" كانا مثالين لما يكون فيه الوجه متخيلا في الطرفين.

هذا, وقد تقدم أن تشبيه المحسوس بالمعقول لا يجوز إلا إذا تخيلنا المعقول محسوسا, وافترضناه أصلا في وجه الشبه يقاس به المشبه مبالغة، وإذًا فلا بد هنا أن نتخيل غير المتلون أصلا للمتلون الحقيقي، فنتخيل "السنن" في بيت التنوخي أصلا في البياض، و"البدع" أصلا في السواد, كما نتخيل في بيت أبي طالب "كلا من يوم النوى، وفؤاد من لم يعشق" أصلا في السواد كذلك.

تنبيهان:

الأول: مما تقدم في تعريف وجه الشبه, وتقسيمه إلى تحقيقي وتخييلي, يتبين أنه لا بد من وجوده في الطرفين تحقيقا، أو تخييلا. فإذا لم يوجد في الطرفين على إحدى هاتين الصفتين لم يصح

<<  <  ج: ص:  >  >>