للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جعله وجه شبه, وإذًا لا يصح أن يكون وجه الشبه في قوله: "النحو في الكلام كالملح في الطعام" كون القليل مصلحا, والكثير مفسدا؛ لأنه المشبه، وهو "النحو" لا يشترك مع المشبه به في هذا المعنى؛ إذ لا يحتمل قلة ولا كثرة، بل هو عبارة عن أن تراعى قواعده، وأحكامه من رفع الفاعل، ونصب المفعول فإن تحقق ذلك في الكلام كان صالحا، وإلا كان فاسدا, أما المشبه به وهو "الملح" فيحتمل القلة والكثرة، والقليل منه مصلح، والكثير مفسد؛ وحينئذ لا يصح جعل "كون القليل مصلحا، والكثير مفسدا" وجه شبه لعدم تحققه في كلا الطرفين لا تحقيقا ولا تخييلا, بل وجه الشبه بينهما هو: "الصلاح إذا استعملا، والفساد إذا أهملا" وهذا المعنى "لا شك" موجود في الطرفين ا. هـ.

الثاني: قد يكون وجه الشبه في أحد الطرفين ادعائيا، وفي الآخر حقيقيا كما يقال للجبان: هو أسد، وللبخيل: هو حاتم. فوجه الشبه بين الطرفين في الأول "الشجاعة"، وفي الثاني "الجود", وليس من شك أن الشجاعة في الجبان، والجود في البخيل, كلاهما أمر ادعائي ليس غير.

ومثل هذا الكلام -في ظاهره- غير صحيح؛ لأن وجه الشبه -كما قلنا- لا بد أن يكون معنى مشتركا بين الطرفين، والطرفان "في المثال الأول" لم يشتركا في معنى "الشجاعة" لانعدامه في الجبان, كما لم يشتركا في معنى "الجود" في المثال الثاني؛ لانعدامه في البخيل فلا مندوحة إذًا من توجيه يصح به مثل هذا التشبيه.

وتوجيه ذلك: أن ينزل التضاد بين الطرفين المتضادين منزلة التناسب بينهما، وإبراز الخسيس في صورة الشريف, فيجعل "الجبن" مثلا بمنزلة الشجاعة، والبخل بمثابة الجود، ويعتبر الجبان شجاعا, والبخيل جوادا لغرض ما، وبهذا التأويل صح أن يكون الوجه في الأول "الشجاعة"، وفي الثاني "الجود"، ووضح اشتراك الطرفين

<<  <  ج: ص:  >  >>