للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شبه الشاعر حال من ظهر له شيء هو في غاية الحاجة إليه، وقد علق به رجاءه، ثم ما لبث أن فوجئ بفقدانه، أو ذهابه إلى حيث لا أمل فيه بحال قوم عطاش عرضت لهم غمامة هم أشد ما يكون حاجة إليها، وما إن رجوها أن تمطرهم حتى انقشعت عنهم، وذهبت وتركتهم في حيرة ويأس, ووجه الشبه الهيئة الحادثة من الشيء يكون أوله مطمعا مغريا، وآخره مخيبا موئسا.

فأنت ترى أن الوجه منتزع من أمرين متصلين: ابتداء مطمع، وانتهاء موئس, والشطر الأول من البيت المذكور إنما تضمن الأمر الأول إذ معناه: أن الغمامة ظهرت لقوم يرجون الماء لشدة حاجتهم إليه فقد أطمعتهم أول الأمر حين عرضت لهم. أما الأمر الثاني وهو الانتهاء الموئس, فقد تكفل به الشطر الثاني إذ معناه: أن الغمامة خذلتهم، وتولت عنهم حين التمسوها فكانت الحال نهاية موئسة.

وإذ علمت هذا: تعلم أنه لا يتأتى انتزاع وجه الشبه من الشطر الأول فقط؛ لأن الوجه -كما عرفت- مركب من الأمرين معا، فلا بد أن ينتزع من الشطرين جميعا ولو اقتصر فيه على الشطر الاول لاختل التشبيه؛ لعدم وفاء هذا الشطر بالمعنى المراد.

وهذا بخلاف التشبيه المتعدد كما في المثال السابق في تشبيه فاكهة بأخرى، أو كما في قولنا: "محمد كالأسد في ضخامته، وزئيره، وإقدامه" فإن القصد فيه إلى تشبيهه بالأسد في كل واحد من هذه الأمور الثلاثة بحيث لو ترك أحدها, لم يتغير حال الباقي في إفادة معناه ا. هـ.

الثاني: اعلم أنه إذا كان وجه الشبه مركبا وجب أن يكون الطرفان مركبين، أو مقيدين، أو أحدهما مركبا، والآخر مقيدا ولو تقديرا؛ ذلك أن وجه الشبه قائم بالطرفين، منتزع منهما، وليس معقولا أن تقوم هيئة مركبة من عدة أمور بشيء واحد، أو أن تنتزع

<<  <  ج: ص:  >  >>