للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والناس خلفه صفوف متراصة. فالمشبه مركب من سهيل ومن النجوم وراءه، والمشبه به مركب كذلك من إمام قائم في محرابه ومن صفوف المصلين خلفه١. ومثله قول بشار بن برد:

كأن مثار النقع فوق رءوسنا ... وأسيافنا ليل تهاوى كواكبه٢

يصف الشاعر ملحمة بين جيشين يقتتلان بالسيوف، وقد انعقد عليهما غبار كثيف. فالمشبه مركب من النقع مثارًا فوق الرءوس، ومن السيوف المتلاحمة اللامعة في أثنائه, والمشبه به مركب من الليل، ومن الكواكب المتهاوية وهو تشبيه "كما ترى" فيه من الدقة والإبداع ما جعل بشارًا -وهو ضرير- يسمو به إلى درجة يقف دونها العباقرة المبصرون, ولو أنه أفرد التشبيه فشبه النقع وحده بالليل، والسيوف بالكواكب لصح ذلك، ولكن لا تحس تلك الروعة التي أحسستها من قبل، وما كان لبشار بهذا التشبيه أن يستوي على عرش السيادة بين أقرانه.

٢- أن يكون المشبه فردًا، والمشبه به مركبًا؛ كقول الصنوبري يصف زهرًا يتحرك من أسفل إلى أعلى، وبالعكس حسب اتجاه الريح:

وكأن محمر الشقيق ... إذا تصوب أو تصعد

أعلام ياقوت نشر ... ن على رماح من زبرجد٣

يريد أن يشبه الزهر حال تصوبه وتصعده بأعلام الياقوت المنشورة على رءوس رماح من زبرجد. فالمشبه مفرد وهو "الشقيق", والمشبه به مركب من أعلام ياقوت, ورماح من زبرجد.


١ التشبيه بهذا الوضع أملك لقلب السامع مما لو أفردت أجزاؤه, فقيل مثلًا: كأن سهيلًا إمام وكأن النجوم صفوف صلاة, يدرك ذلك الذوق السليم.
٢ النقع: الغبار, وتهاوى أي: تتهاوى بحذف إحدى التاءين, بمعنى يتساقط بعضها إثر بعض.
٣ محمر الشقيق من إضافة الصفة للموصوف أي: الشقيق المحمر, وهو ورد أحمر في وسطه سواد ينبت في الجبال, ويقال له أيضًا: شقائق النعمان، وتصوب: مال إلى أسفل, وتصعد: مال إلى أعلى.

<<  <  ج: ص:  >  >>