للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٤- أن يكون المشبه مركبًا، والمشبه به مفردًا؛ كقول أبي تمام حبيب بن أوس الطائي يصف الربيع:

يا صاحبي تقصيا نظريكما ... تريا وجوه الأرض كيف تصور

تريا نهارًا مشمسًا قد شابه ... زهر الربا فكأنما هو مقمر١

يلفت الشاعر نظري صاحبيه إلى صنيع المبدع القادر فيما أخرج من نبات بهيج ناضر، وكيف أن النبات لشدة اخضراره وكثافته صار لونه يضرب إلى السواد، حتى نقص من ضوء النهار المشرق، وكأنه ليل سرى فيه ضوء القمر. يريد الشاعر أن يشبه هيئة النهار المشرق، وقد خالطت ضوءه خضرة الزهر القائمة، فتضاءل ضوءه بليل بزغ قمره. فالمشبه مركب من نهار تألقت شمسه ومن زهر نابت في الربا, والمشبه به مفرد وهو "الليل المقمر" وتقييده بالوصف المذكور لا ينافي إفراده.

تنبيهان:

الأول: اعلم أن المراد بالقيد في التشبيه الذي كلا طرفيه أو أحدهما مقيد: هو ما يكون له مدخل في وجه الشبه بحيث لا يتم التشبيه بدونه. ففي المثال المتقدم في تشبيه الساعي المقيد بأن سعيه لم يكلل بالنجاح بالنقاش المقيد بأن نقشه على الماء لا بد فيه من اعتبار هذين القيدين؛ لأن وجه الشبه بين الطرفين هو "تساوي الفعل وعدمه" وهذا المعنى لا يتم إلا باعتبار القيدين المذكورين.

وكذلك الحال في تشبيه الشمس بالمرآة في كف الأشل, إذ لا بد من اعتبار كون المرآة في يد مرتعش؛ لأن وجه الشبه بين الطرفين هو الهيئة الحاصلة من الحركة السريعة المتصلة، مع الإشراق المتموج, وهذا المعنى لا يستقيم ولا يكمل بدون ملاحظة هذا القيد، كذلك لا بد في تشبيه اللؤلؤ المنظوم بالثغر من اعتبار قيد "المنظوم"


١ يقال: تقصى الشيء: بلغ أقصاه أي: غايته, يريد: أمعنا في النظر وفكرا و"تصور" بحذف إحدى التاءين أي: تتصور و"شابه" أي: خالطه و"الربا" جمع ربوة وهي ما ارتفع من الأرض، وخص زهر الربا بالذكر؛ لأنه أنضر وأشد خضرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>