للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا هو مذهب جمهور البيانيين، فهم -كما عرفت- لا يفرقون في تشبيه التمثيل بين الحسي وغير الحسي، فالمدار عندهم على أن يكون الوجه هيئة مركبة من عدة أمور, أيا كان نوعها.

وللسكاكي فيه مذهب؛ هو أن تشبيه التمثيل عنده خاص بما كان وجه الشبه فيه وصفا غير حقيقي، منتزعا من عدة أمور. ومعنى قوله غير حقيقي: أن يكون غير متحقق حسا ولا عقلا, بأن يكون أمرا اعتباريا وهميا إذ قال ما نصه: التشبيه متى كان وجهه وصفا غير حقيقي، وكان منتزعا من عدة أمور خص باسم "التمثيل"، وهذا يقتضي أن ما كان وجهه مركبا حسيا أو عقليا ليس من تشبيه التمثيل عنده، غير أننا لم نظفر بغير آية اليهود المتقدمة مثالا للتشبيه الاعتباري على مذهبه، وهي التي مثل بها القوم -فيما سبق- للتشبيه المركب العقلي، إذ قالوا: إن حرمان الانتفاع بأبلغ نافع، مع معاناة الكدّ في استصحابه أمور متقررة في العقل، وليست من اختراعات القوة الوهمية.

وحينئذ كان السكاكي يعتبر هذه الآية من قبيل التشبيه الاعتباري الوهمي، وأن هذه الأمور المذكورة التي انتزع منها الوجه مرجعها الوهم أي: لا وجود لها في غير الأوهام.

وهذا الرأي -إن صح عن السكاكي- قد يتردد العقل في قبوله؛ لأنا نعلم أن الأشياء التي تركب منها الوجه "في آية اليهود" أمور موجودة متقررة في العقل، قائمة بالموصوف قياما حقيقيا، لا وهميا.

فلعل السكاكي أراد بالتشبيه الاعتباري الوهمي ما تعلق بمعقول مطلقا، لا ما تعلق فقط بالاعتبارات المحضة، وبذلك يشمل العقلي والوهمي.

وإذًا ينبغي أن يفسر قوله: "غير حقيقي" بغير حسي ليدخل فيه العقلي والوهمي, وبهذا التفسير يلتقي مذهبه بمذهب عبد القاهر القائل

<<  <  ج: ص:  >  >>