للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

١- ما يكون وجهه ظاهرا يستوي في إدراكه العامة والخاصة, كما في تشبيه الشعر بالفحم، والقدّ بالغصن، والوجه بالبدر. فأوجه الشبه في هذه المثل من الوضوح بحيث لا تحتاج إلى إعمال فكر.

٢- ما يكون وجهه خفيا، لا يدرك ببديهة النظر, بل يحتاج إلى تأمل وتعمل. مثاله ما روي أن فاطمة بنت الخرشب١ الأنمارية سُئِلت عن بنيها الأربعة: أيهم أفضل؟ فقالت: "هم كالحلقة المفرغة، لا يدرى أين طرفاها" تريد: هم في تناسبهم في الشرف، والشجاعة، وعدم تفاوتهم فيهما بحيث يمتنع تفضيل أحدهم على الآخر، كالحلقة المتصلة الجوانب، فإن أجزاءها متناسبة في الصورة، يمتنع تعيين بعضها طرفا، وبعضها وسطا. فوجه الشبه بين الطرفين هو "التناسب الكلي الخالي عن التفاوت"، وقد أشعر به قولها: "لا يدرى أين طرفاها"، غير أنه في المشبه تناسب في الشرف, وفي المشبه به تناسب في صورة الأجزاء، وهو -كما ترى- خفي دقيق، فوق متناول مدارك العامة, ولا يدركه إلا من ارتفع منهم إلى طبقة الخاصة.


١ بضم الخاء والشين، وسبب هذا القول: أنها سئلت عن بنيها الأربعة، وهم: ربيع الكامل، وعمارة الوهاب، وقيس الحفاظ، وأنس الفوارس, سئلت: أيهم أفضل؟ فقالت: عمارة، ثم بدا لها غير هذا فقالت: لا بل فلان، ثم بدا لها غير هذا، فقالت: لا بل فلان، ثم قالت في حيرة: ثكلتهم إن علمت أيهم أفضل "هم كالحلقة المفرغة, لا يدرى أين طرفاها". وقيل: إنه من قول كعب الأشعري في وصف بني المهلب للحجاج حين قال له: كيف تركت الناس؟ فقال كعب: تركتهم بخير، أدركوا ما أملوا، وأمنوا مما خافوا، فقال الحجاج: فكيف بنو المهلب فيهم؟ فقال: هم حماة السرح نهارا، فإذا أليلوا ففرسان البيات، فقال الحجاج: فأيهم كان أنجد, أي أشجع؟ فقال كعب: هم كالحلقة المفرغة ... إلخ.

<<  <  ج: ص:  >  >>