للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حملت ردينيا كأن سنانه ... سنا لهب لم يتصل بدخان١

شبه الشاعر سنان الرمح بلهب ذي سنا, فاعتبر في كل منهما شكله المخروطي الدقيق الطرف، وزرقته الصافية، ولمعانه، ثم قصد أن ينفي الدخان عن السنا تحقيقا للتشبيه, ولو لم ينف ذلك لم يتم التشبيه المقصود؛ إذ ليس في رأس السنان ما يشبه الدخان، وتحقيق التشبيه على هذه الصورة لا يتأتى على البديهة -كما ترى- ومثله قول الشاعر:

كأن عيون الوحش حول خبائنا ... وأرحلنا الجزع الذي لم يثقب٢

يقول: إنهم كانوا كثيري اصطياد الوحوش، وإنهم كانوا يأكلونها، ويطرحون أعينها حول أخبيتهم، أشبه شيء بالجزع غير المثقوب, وقد نفى التثقيب عن الجزع تحقيقا للتشبيه، وبيانا لتساوي الطرفين في وجه الشبه لأن الجزع إذا كان مثقبا خالف العيون في الشكل بعض المخالفة, إذ لا تثقيب فيها.

الثانية: أن يؤخذ جميع الأوصاف، بأن يعتبر وجودها جميعها في وجه الشبه, كما مر في نحو قول الشاعر:

وقد لاح في الصبح الثريا كما ترى ... كعنقود ملاحية حين نورا

فقد اعتبر في كل من الطرفين الشكل، والمقدار، واللون، والوضع الخاص, ومثله سائر التشبيهات في الهيئات السابقة.


١ "الرديني": الرمح المنسوب إلى ردينة اسم امرأة كانت تجيد صنعة الرماح وتقويمها, وهي امرأة "السمهر" بفتح السين وسكون الميم وفتح الهاء, وهو أيضا كان يحسن صنع الرماح وإليه تنسب الرماح السمهرية، و"سنا لهب" من إضافة الصفة للموصوف أي: لهب ذو سنا.
٢ "الخباء": بيت من شعر، و"أرحل" جمع رحل وهو ما يحمل على البعير، والجزع بفتح الجيم أو كسرها وسكون الزاي: عقيق فيه دوائر بيض وسود تشبه به عيون الوحش, قال الأصمعي: الظبي والبقرة الوحشية إذا كانا حيين فعيونهما كلها سود, فإذا ماتا بدا بياضها فأشبهت الجزع.

<<  <  ج: ص:  >  >>