وهو قوله:{كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا} ، وقد يلي الكاف ونحوها غير المشبه به بشرطين:
١- أن يكون المشبه به مركبا, أي: هيئة منتزعة من أمور لم يعبر عنها بمفرد دال عليها, كلفظ "مثل أو حال", ولم يقتض الحال تقدير هذا المفرد١.
٢- أن يذكر بعد الكاف ونحوها بعض هذه الأمور التي انتزعت منها تلك الهيئة.
مثال ذلك قوله تعالى:{وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ} فليس المراد تشبيه حال الدنيا بالماء حتى تكون الآية مما ولي فيه المشبه به كاف التشبيه, بل المراد تشبيه حال الدنيا في إقبالها على الإنسان في زي حسناء فاتنة، واغتراره بابتسامتها الخادعة، وطلائها الكاذب، وما يعقب ذلك من زوال نعيمها، وامّحاء بهجتها ونضارتها، بحال النبات يغذيه الماء فيخضرّ، وتنضر خضرته، وتبتسم زهرته، ثم لا تلبث أن تنطفئ هذه النضره، وتذبل هذه الزهرة، ويتحول النبات النضر البهيج إلى هشيم تذروه الرياح, وكأنه لم يكن, ووجه الشبه الهيئة الحاصلة من حسن، وبهجة، وهناء، يتلوه تلف، وشقاء، وفناء. فأنت ترى أن المشبه به لم يل الكاف؛ لأنه هيئة لم يدل عليها بمفرد كلفظ "مثل"، ولا اقتضى الحال تقديره؛ لأن المعتبر هو الهيئة الحاصلة من مجموع الكلام المذكور بعد الكاف، واعتبارها مستغنٍ
١ احترز به عما عبر فيه عن الهيئة بمفرد دال عليها، أو اقتضى الحال تقديره, فالأول كما في آية اليهود فقد عبر فيها عن المشبه به المركب بلفظ "مثل", إذ قال: {كَمَثَلِ الْحِمَارِ ... } إلخ, والثاني كما في آية {أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ ... } إلخ, فإن الحال اقتضت أن يقال: كمثل ذوي صيب على ما سبق بيانه.