للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بياضه، أو سواده, وكما في قول امرئ القيس المتقدم يصف عقابا بكثرة اصطياد الطيور:

كأن قلوب الطير رطبا ويابسا ... لدى وكرها العناب والحشف البالي

شبه الرطب من قلوب الطير، واليابس منها بالعناب والحشف البالي؛ بيانا لما فيها من الأوصاف كالشكل، والمقدار، واللون. ومثله قول النابغة يمدح النعمان بن المنذر:

كأنك شمس والملوك كواكب ... إذا طلعت لم يبد منهن كوكب

شبه النابغة النعمان بين سائر الملوك بالشمس بين سائر الكواكب, بجامع الهيئة الحاصلة من الشيء الحقير، يتضاءل شأنه عند وجود الشيء الخطير. والغرض بيان حال النعمان مع سائر الملوك من أنه صفوتهم, إذا ظهر بينهم طغى أمره على أمرهم, شأن الشمس مع الكواكب.

وينبغي لتحقيق هذا الغرض أن يكون المشبه به معروفا عند المخاطب بوجه الشبه؛ لأن الغرض تعريف حال المشبه المجهولة للمخاطب, فلو لم تكن حال المشبه به معروفة عنده من قبل لزم تعريف المجهول بالمجهول.

وليس بلازم في تحقيق هذا الغرض أن يكون وجه الشبه في المشبه به أتم وأقوى منه في المشبه -وإن كان الشأن فيه ذلك- لأن المخاطب إنما يجهل حال المشبه، ويريد مجرد تصورها، من غير التفات إلى زيادة أو نقصان، وهذا يكفي فيه أن يكون وجه الشبه معروفا في المشبه به عنده, فإذا قيل: ما لون ثوبك الذي اشتريته؟ فقلت: كثوب فلان مثلا, والمخاطب يعلم أنه أسود فقد تم الغرض، ولا يتوقف على أن يكون سواد ثوب فلان أتم منه في الثوب المشترى؛ لأن ذلك زائد على المطلوب.

<<  <  ج: ص:  >  >>