للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثاني: بيان مقدار حال المشبه من القوة، أو الضعف، أو الزيادة, أو النقصان، وذلك إذا كان المخاطب يعلم حال المشبه, ويجهل مقدار هذه الحال، ويريد الوقوف على مقدارها، فيلحق حينئذ بشيء يعلم المخاطب مقدار حاله, كما في قول الشاعر:

فيها اثنتان وأربعون حلوبة ... سودا كخافية الغراب الأسحم١

أشار بقوله: "سودا" إلى الصفة المشتركة بين الطرفين, فالمخاطب يعلم حال المشبه، وأنه أسود اللون، ولكن لا يدري إلى أي مدى وصل هذا السواد, وكأنه يطلب معرفته فجاء المتكلم بهذا التشبيه كاشفا عن مقداره، وأنه على حد السواد في الغراب الأسحم المعروف عند المخاطب بشدة سواده، وبهذا اتضحت حال المشبه، واستقر في الذهن مقدار سواده، وأنه بين الحلكة شديدها. ومثله قول الشاعر:

إذا قامت لحاجتها تثنت ... كأن عظامها من خيزران٢

فقد أشار بقوله: "تثنت" إلى الوصف المشترك بين الطرفين, فالمخاطب يعلم حال المشبه، وأنه لين لا يبس فيه، ولكنه لا يدري إلى أي حد وصلت هذه الليونة، فجاء الشاعر بهذا التشبيه كاشفا عن مقدارها، وأنها على غرار ليونة الخيزران المعروف للمخاطب مبلغ ليونته وتكسره. وكتشبيه الصوت الضعيف بالهمس، أو القوي بالرعد بيانا لمقدار ضعفه، أو قوته.


١ "الحلوبة": الناقة ذات اللبن الغزير، و"الخافية": ريش في الطائر يختفي إذا ضم جناحيه، و"الأسحم": شديد السواد.
٢ "تثنت": تمايلت مع تكسر, و"الخيزران": نوع من الخشب واضح الليونة.

<<  <  ج: ص:  >  >>