للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإذا أشار محدثا فكأنه ... قرد يقهقه أو عجوز تلطم

شبه الشاعر هيئة إنسان مبغض، يشير في حديثه بهيئة قرد يضحك، أو عجوز تصفع خديها في بشاعة المنظر وقبحه؛ تشويها له في نظر السمع، ومثله قول الشاعر يذم القمر:

كلف في شحوب وجهك يحكي ... نكتا فوق وجنة برصاء١

فتشبيه ما يبدو على صفحة القمر -في مرأى العين- من نقط دكن بهيئة نكت مبثوثة على وجنة برصاء مما يؤثر في نفس الناظر إلى القمر, إذ يبدو له كأنه بالحالة التي شبه بها، وكتشبيه الصوت الشديد بالرعد، والجهل بالموت، ورجل السوء بالمنية، وسرب الأشرار بالأفاعي، ونحو ذلك.

هذا, ولم يشترطوا لتحقيق هذين الغرضين أتمية الوجه في المشبه به ولا أشهريته فيه, وعللوا ذلك بصحة تشبيه وجه أسود حالك السواد بمقلة الظبي لقصد تزيينه، مع أن السواد فيها ليس أتم منه في الوجه الأسود، ولا هي أشهر منه في السواد، وبأن الهيئة المشتركة بين من يشير متحدثا، وبين قرد يقهقه، أو عجوز تلطم ليست في القرد، أو العجوز أتم، ولا هما بها أشهر.

غير أن هذا القول إنما يستقيم لو أن وجه الشبه المشترك بين الوجه الأسود، ومقلة الظبي "مطلق سواد"، أو لو أن الوجه المشترك بين هيئة من يشير متحدثا, وبين هيئة القرد وهو يضحك، أو العجوز وهي تلطم "مطلق هيئة" وليس كذلك, فإن الوجه في الأول "السواد الحسن"، وفي الثاني "الهيئة القبيحة"؛ لأن الغرض من التشبيه تزيين المشبه، أو تقبيحه بإلحاقه بمشبه به حسن أو قبيح.


١ الكلف بفتح الكاف واللام: شيء يعلو الوجه كحب السمسم, بين السواد والحمرة، والبرصاء مؤنث أبرص, وهو المصاب بداء البرص.

<<  <  ج: ص:  >  >>