للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من علاقة ذاتية هي التوافق في الصوت والحروف. ومثله "المواء" بضم الميم لصوت القط، والقهقهة لصوت الضاحك، إلى غير ذلك مما بين الدالّ والمدلول توافق.

٢- أنه لولا وجود هذه العلاقة بينهما؛ لكان اختيار لفظ دون آخر ترجيحا بلا مرجح، وقد رد هذا القول من وجوه:

الأول: لو أن اللفظ يطلب المعنى لعلاقة ذاتية بينهما, لزم أن يفهم الإنسان معنى اللفظ في أية لغة من اللغات، بدون حاجة إلى تعلم متى رجع إلى ما بينهما من علاقة. والواقع ليس كذلك, بل لما اختلفت اللغات في معنى اللفظ الواحد باختلاف الأمم؛ لأن اللفظ دال بذاته، وما بالذات لا يختلف باختلاف الغير واللازم باطل.

الثاني: لو أن اللفظ دال بذاته على المعنى لامتنع أن يدل بواسطة القرينة على المعنى المجازي، دون الحقيقي كما في "الأسد" المستعمل في الرجل الشجاع بقرينة الحمام مثلا, ولامتنع أيضا أن ينقل اللفظ من معنى إلى آخر بحيث لا يفهم منه إلا المعنى الثاني "كالصلاة" المنقولة من معنى الدعاء إلى الأركان الخاصة، وكالدابة المنقولة من كل ما يدبّ على الأرض إلى ذوات الأربع؛ لأن اللفظ فيما ذكرنا دال بذاته على المعنى الأول، وما بالذات لا يزول بالغير واللازم باطل.

الثالث: لو كانت المناسبة الذاتية دليلا على المعنى فيما بينهما ذلك التوافق في الصوت والحرف كالذي مثل به هذا القائل من العواء، والمواء، والقهقهة, فكيف تنهض دليلا فيما لا توافق بينهما، مع ما نعلمه من خلو غالب الألفاظ من هذا التوافق؟

الرابع: ماذا يقول صاحب هذا الرأي فيما هو مشاهد من دلالة كثير من الألفاظ على معانيها، وعلى أضداد هذه المعاني؟ فأي أثر للمناسبة الذاتية هنا بين اللفظ، وضد معناه؟

الخامس: هلا كفى أن يكون مجرد عروض اللفظ، دون غيره للخاطر مرجحا، ودافعا إلى اختياره؟

<<  <  ج: ص:  >  >>