للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقيل١ في معنى "دلالة اللفظ" لذاته: إن للحروف في أنفسها خواص, وصفات، وإن لهيئات تركيبها أيضا خواص, وصفات تقتضي ألا يهمل أمرها عند وضع اللفظ للمعنى, بأن يراعى التناسب بينهما أداء لحكمة اتصاف الحروف، أو هيئاتها بتلك الخواص.

فالأول "كالفصم" بالفاء التي هي حرف رخو, فإنه وضع لكسر الشيء من غير أن يبين، و"كالقصم" بالقاف التي هي حرف شديد, فإنه وضع لكسر الشيء حتى يبين, ولا شك أن كسر الشيء مع البينونة أشد وأقوى من الكسر بلا بينونة.

والثاني "كالفعلان" و"الفعلى" بالتحريك فيهما؛ فإنهما وضعا لما فيه حركة واضطراب كالجولان والغليان، وكالحيدى والجمزى وصفين للحمار السريع, هكذا قيل.

غير أن اعتبار التناسب بين اللفظ والمعنى بحسب خواص الحروف, أو هيئات تركيبها -كما قيل- إنما يظهر في بعض الكلمات كالمذكورة سابقا, أما اعتباره في جميع الكلمات من لغة واحدة -فضلا عن جميع اللغات- فمتعذر أيما تعذر, فلعل تلك الألفاظ المذكورة، وما شاكلها وضعت لمعانيها اتفاقا، بدون مراعاة التناسب بينهما.

تنبيه:

يتسمى كل من الحقيقة والمجاز بأسماء تختلف باختلاف الواضع "بالنسبة للحقيقة"، وباختلاف الاصطلاح "بالنظر إلى المجاز".

ففي الحقيقة: إن كان الواضع لها من أرباب اللغة الفصحاء سميت "حقيقة لغوية" كلفظ "الأسد" المستعمل في المعنى الذي وضعه له أهل اللغة، وهو الحيوان المفترس.


١ أريد بهذا القول تأويل قولهم: "إن دلالة اللفظ بذاته" بحمله على غير ظاهره, ولكنه مع ذلك لا يستقيم؛ لعدم اطراده كما هو ظاهر.

<<  <  ج: ص:  >  >>